ربما لم يكن الكثير من الناس يعرفون بوجود كلية جامعية للأم والعلوم الأسرية في الدولة، لولا الزيارة التي قام بها صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي عضو المجلس الأعلى حاكم عجمان لمقر الكلية. ووجود كلية تعنى بأمر أساسي وضروري ومهم كهذا يدل على تنامي حاجة مجتمعية لها بعد هذه التغيرات الهائلة التي شهدها مجتمع الإمارات على امتداد العقود الأربعة الماضية.
وقد حرص صاحب السمو حاكم عجمان خلال زيارته للكلية على تذكير الجميع وبالذات الآباء بأهمية بناء أسرة عصرية تسهم إسهاماً فعلياً ونوعياً في ترسيخ البنية المتماسكة للمجتمع والدولة، وذكّر الجميع بالمخاطر الجمة التي يحملها الاعتماد على الخدم في تربية الأبناء، وأبسطها ارتفاع حالات الطلاق كما قال سموه، وأخطرها المفاهيم والسلوكيات البعيدة عن قيم وعادات هذا المجتمع الأصيل التي تغرس في نفوس الأطفال الصغار. وقد استعاد الشيخ حميد للحضور الدور الذي كانت تنهض به الأم قديماً رغم الإمكانات القليلة والنادرة قياساً بما ننعم به اليوم ولله الحمد. وكيف قامت الأمهات في تلك المراحل المبكرة بتربية الأبناء على أسس من الأخلاق الحميدة ومبادئ الدين الحنيف و” سنع” الأفعال، رغم أنهن لم يصبن سوى قدر قليل من التعليم، وتفشي الأمية في صفوفهن. ومع هذا تخرج من بين أيديهن رجال وضعوا بصماتهم في تاريخ هذا الوطن الغالي.
وإذا كنا اليوم نواجه معادلة التوفيق بين خروج المرأة للعمل وتعزيز دورها في البناء والاستفادة من طاقاتها وبين التزاماتها الأسرية تجاه زوجها وأبنائها للتخفيف من مسألة الاعتماد على الخدم، فإننا بحاجة إلى مبادرات للتوفيق بين طرفي المعادلة. وهناك اليوم أجيال من الشباب والشابات تجهل أبجديات الحياة الأسرية ومعنى الارتباط وبناء الأسرة، وتشكلت ثقافتها في هذا المجال من المسلسلات التلفزيونية والمجلات النسائية. وتقارير المحاكم و” الشؤون” تحوي الكثير والكثير من القصص التي تحتاج إلى وقفة جادة ومعالجة حقيقية من أجل وضع لبنات متينة للأسرة اليوم بعد أن اختلف العصر وتغيرت المفاهيم وتعددت الثقافات وتداخلت السلوكيات واختلطت المشارب والمناهل، وفرض الزمن إيقاعه المتسارع، الذي إن لم نتصد له بتكريس القيم التي جبلنا عليها، سيتأثر البناء الأسري، ويبقى هشاً يتفتت عند هبوب نذر أبسط عاصفة عليه.
لقد كانت التوجهات الجديدة باعتماد ساعات العمل الطويلة، واحدة من الممارسات التي ألقت بظلالها القوية والمؤثرة على أحوال الأسرة، وبالتالي أفسح المجال واسعاً للاعتماد على الخدم، وترك الأبناء معهم لفترات طويلة، ليتراجع معه أيضاً دور الأم أو الوالدين معاً. وهذا مجرد نموذج واحد من عدة عوامل تجعل من الاعتماد على الخادمات والمربيات واقعاً لا فكاك منه، وهو في الوقت ذاته يتقاطع مع توجهات استراتيجية للدولة بالتخفيف من الاعتماد على العمالة الهامشية، وذلك ضمن المعالجات المطروحة لتصحيح خلل التركيبة السكانية. والأمر يتطلب من الجميع تناولاً موضوعياً شاملاً، ُيعزز بتشريعات تعالج متطلبات حل طرفي المعادلة، والتوفيق بين الاستفادة من طاقات المرأة في سوق العمل، ودورها الأسري الأسمى في بناء الأجيال.


ali.alamodi@admedia.ae