وفي اليوم التالي، طلبت من الرفيق الخوّاف عدو الثقافة، صديق المسخرة والسياحة التايلندية، أن نذهب إلى نفس الشارع في مدينتنا العربية المكفهرة، من غير أن نقهقه، ولا نضحك، فقط نراقب المارة، فعبوسهم العام كما ظهر في تلفزيونهم الرسمي، ليس بسبب حدث جلل، ولا بسبب ارتباك الخطة التنموية العشرية، ولا بعدم مشاركة الفرقة القومية في احتفالات يوم الشبيبة العالمي، ولا لغلاء بدلات Y.S.L على المواطن الكادح، ولا بسبب هزيمة المنتخب الكروي من كوريا، ولا بسبب حجم الرغيف العربي، ولا لانقطاع السيجار الكوهيبي من الأسواق، ظللنا نراقب المارّين، بدأنا بالقهقهة، فلم نجد أحداً يفعلها، ثم تنازلنا إلى الضحك، فلم نجد على طول الطريق التي سلكناها أحداً يضحك، فتنازلنا إلى الابتسامة، فلم نستطع أن نسجل أي ابتسامات، عدا ابتسامة مختل المدينة، وصبية صغار كانوا يلعبون على الطريق، وكدنا أن نتنازل إلى انفراج السريرة، فلم نجد، ثم عدم العبوس، فلم نر أحداً، حتى ضاقت بنا الدنيا، وكدنا أن نجن، ولم ندرك ساعتها سر تكهرب الناس وتوتر المدينة، حتى صادفنا شيخاً عجوزاً أنكر لهجتنا وبعضاً من سيماء وجوهنا، فقال كأنكم غرباء عن المكان، وكأنكم تسألون عن الضجر العام، يا أبنائي كانت مدينتنا على وقتي تضحك والبيوت واسعة ونظيفة، والجار يحامي عن عرض الجار، والأشياء رخيصة ومن صنع أهلها، وكان لدينا أولاد يدرسون في الخارج على حساب أهلهم، وكان منا المهاجرون، ومنا دون ذلك، لكن مرجعيتنا الوطن، ثم جاء حال ساءت فيه الأحوال وتقلبت فيه الآمال، وظهر منادون متكسبون بأحلام اليقظة العربية، وبتحرير كامل الأرض، والعودة إلى حدود ما قبل النكسات والحروب الخاسرة، وبتحقيق الوحدة العربية الشاملة التي لا يغلبها غلاب، مقابل أن يتخلى المواطن عن المطالبة بفتح الحدود العربية، وجواز السفر الموحد، والعملة الواحدة، وإلغاء التعرفة الجمركية، والمطالبات الديمقراطية، وعن سقف الحريات، وبناء دولة المؤسسات، وتكوين المجتمع المدني، وخلق مجالس بلدية منتخبة، وبرلمانات وطنية منتخبة، والمطالبة بدعم السلع الأساسية، والخدمات الضرورية، وتخفيض أسعار المحروقات، وربط البلدان العربية بشبكة قطارات، وتأجيل مشروعنا المائي القومي، لأن الاستراتيجيين ومخططي الحروب المستقبلية، استبعدوا حروب المياه، لحين استكمال دولنا مشاريعها الفذة في مصانع المياه المعدنية، والقناني البلاستيكية، طلب من المواطن أن يشد الحزام، ومن الحكومة أن لا ترخي اللجام حتى يحل الوئام، ويسود السلام، وقد صار لنا على هذا الحال أكثر من خمسة عقود وأعوام.
رجعنا إلى فندقنا، ونمنا دون هز، وكدنا أن نحلم بفجر قادم أو بربيع عربي زاهر عله يحلي وجه المواطن العربي الصابر بابتسامة حقيقية وفقط!



amood8@yahoo.com