عدت منذ أيام قليلة من رحلة سفر استغرقت شهراً كاملاً دون نقصان زرت خلالها ثلاث دول، وتعرفت على أمور أنتمي إليها وتنتمي إلي وأمور أخرى تمنيت أن أكون منها ولكنها رفضت أن تنصاع إلي، فتارة تجدني منها وتارة تفتقد فيني عنصراً ما لا أعرفه؛ فالمتوجه لتلك الحضارات يكتشف أمورا تسر مكتشفها وتريح باله، وأمورا أخرى تألم العين قبل القلب، فخلال زيارتي لإحدى المحطات وهي تركيا سر خاطري بما رأيته وسمعته في تلك الدولة التي تحمل في بطنها الشق الإسلامي وفي أطرافها الشق الأوروبي، ففي منطقة لا تبعد عن العاصمة اسطنبول الأوروبية توجد مقاطعة مدنية يطلقون عليها «الفاتح» وهي منطقة قديمة تاريخياً ولكن متمدنة ظاهرياً، فعدد قاطني هذه المنطقة لم يتخلوا عن ما ورثوه من أجدادهم وظلوا متمسكين بما هم فيه ولم تغريهم الأحداث والتطورات التي تدور من حولهم بالرغم من تعدد الأعراق التي تعيش معهم، فمن يقصد تلك المنازل يعيش روحانيات إسلامية حقيقية ومشاهد حرمت العين منها كثيراً، وفي إحدى زياراتي لأحد البيوت التي قدمت لي دعوة شرب فنجان شاي، فكان المشهد الأول بالنسبة لي عندما كنت جالسة فسمعت صوت رجل ينادي وأنا في غرفة الضيوف التي كانت تجاورها غرفة كان بها أطفال لم يتعد عمرهم العشرة أعوام يتدارسون القرآن الكريم ويقرأونه بكل خشوع وتدبر، وقد طلبت مني ربة المنزل أنه لا أخشى من شيء أو أعيد ترتيب غطاء شعري لأن الذي نادى وسيدخل ليس رجلاً إنما هي امرأة مثلنا، وأنها عادة لديهم قبل أن تدخل النساء بيوت أحد ما أن تصدر صوت مثل الرجال حتى لا تكون فتنة بصوتها فتكسر بذلك الأجواء الدينية بالمنزل، تلك المنازل التي حرمت على نفسها دخول التلفاز أو تركيب الطبق الهوائي، تخوفاً على دينهم. أما ما أزعجني في تلك المحطة تأثر سكان البلاد وضيقهم بتغيير اللغة التي عاش بها أجدادهم ومن سبقوهم من اللغة العربية إلى اللغة الرسمية حالياً، الأمر الذي صعب عليهم مسألة التحدث بها ومسألة تدبر القرآن ومعايشته رغم محاولاتهم الكبيرة في نطقها وتعلمها، ففي تلك البقعة من الأرض تتنوع بها التقاليد ومنظومة الحياة التي كان سببها التعدد العرقي الذي يرجع سببه عهد الدولة العثمانية الذي اتخذت من تركيا مركزاً أساسياً لها والتي كانت مناطقها تشمل أراضي واسعة في آسيا، أوروبا وأفريقيا حتى عام 1922، حين تكونت السلطنة العثمانية في القرنين الرابع عشر والسادس عشر وأخذت بالتوسع حتى سيطرت على الإمبراطورية البيزنطية وبلغاريا وصربيا إلى أن توقف توسعها إثر هزيمة بايزيد الأول (يلدرم) الصاعقة عام 1402، وفي سنة 1922، تم خلع آخر السلاطين محمد السادس حين أتى مصطفى كمال أتاتورك وألغى الخلافة نهائياً في العام 1924. وألغي السلطنة في العام 1922. وشهدت تركيا بعد الحرب العالمية الأولى حركة قومية قادها مصطفى كمال أتاتورك أي (أب الأتراك)، وأعلن تركيا الجمهورية فتولى رئاستها عام 1923م، حتى وفاته عام 1938. Maar7191@hotmail.com