مات المشاعلي، بهاتين الكلمتين، بدأت رثائي لصديقي أسامة أنور عكاشة، وكنت أستخدم الصفة نفسها التي أطلقها على كتابتي بعد أن قرأ عددا من كتبي، فكتب مقالا بعنوان: “المشاعلي”. والمشاعلي هي الصفة التي كانت تطلق على من يشعل المصابيح في القاهرة المملوكية والعثمانية، قبل أن تعرف الشوارع مصابيح الكهرباء حين كانت المصابيح تنار بالجاز أو بالزيت، وكانت الفوانيس توجد على نواصي الحارات وعلى جدران الشوارع، وعندما يأتي المساء، كان المشاعلي يمر وقت الغروب ليوقد المصابيح، أو يشعل فتائلها. وقد استخدم أسامة هذه الصفة ليؤكد مهمة التنوير التي أخذتها على عاتقي، منذ أن جعلت قلمي في خدمة الاستنارة ضد الإظلام، وقد أفرحتني التسمية التي أطلقها أسامة على كتاباتي، وسعدت بها، وزادت من حبال الود ومشاعر التقدير المتبادل بيننا. وكان من الطبيعي أن ينتابني القلق عندما عرفت بعملية القلب التي اضطر إلى اجرائها من سنوات، وحمدت الله لنجاته منها، وتعودت أن أراه وأشاركه حضور الكثير من الندوات، وكان يهديني كتبه بقدر ما كنت أهديه كتبي. وظلت فتنتي بتمثيلياته التلفزيونية لا حدود لها، ولا أزال أرى تأثيره في المسلسل التلفزيوني أشبه بتأثير نجيب محفوظ في الرواية، صحيح أنه تأثر بنجيب محفوظ، وحاول أن يكون روائيا مثله، ولم يكف عن هذه المحاولة إلى أن أخذه عالم المسلسل التلفزيوني تماما. أذكر أنه حدثني أن عمله الأدبي الأول صدر عن المجلس الأعلى للثقافة، وأنه ما من أحد اهتم بقراءة هذا العمل، وهو الأمر الذي دفعه إلى البحث عن أداة إبداعية تستوعب طاقته الأدبية، وتجسدها، وشيئا فشيئا، استقر على التمثيلية التلفزيونية، ومنها إلى المسلسل المفرد، ثم المتعدد الأجزاء، ووجد هواه في المسلسل التلفزيوني، فاقتحمه بقوة، ووجد فيه أداة خلاقة لتوصيل أفكاره إلى الناس، ووصل صوته إلى الناس بالفعل، ووصل نجاحه إلى الدرجة التي كانت تدفع الناس إلى العودة إلى منازلهم لمشاهدة روائع أسامة أنور عكاشة التي تقف على رأسها خماسية “ليالي الحلمية” التي مضت في طريق ثلاثية نجيب محفوظ، فعرضت تطور التاريخ السياسي الاجتماعي لمصر الحديثة، منذ ما قبل ثورة 1952 إلى زمن السادات، غير هيابة من التعرض لمشاكل الانفتاح أما المقدمة فكان الصراع بين بطل وبطل نقيض، تبارى في إبرازهما صلاح السعدني ويحيى الفخراني، وكانت “ليالي الحلمية” عملا فريدا لا نظير له، ولا يزال.