ننادي بالشفافية في التعامل مع كل أمور الحياة، لأن الحياة أصبحت واضحة، ولا تحمل طمس الرؤوس في الرمال، ولا تحمل التستر على الأشياء، ومحاباة فلان، الشفافية أجبرتنا الظروف على التعامل بها، خاصة في مجتمعاتنا العربية، ولكننا رغم ذلك ما زالت بالنسبة لنا كلمة مبهمة تحمل الخوف والوجل، ويمكن أن تقلب نمطيّة حياتنا العامة والعملية، لكنها تدعم الوضوح، وتضع الأمور في نصابها الصحيح، وتخفف من إرباك المؤسسات والأفراد ومتخذي وصنّاع القرار، ووسائل الإعلام التي تتمنى الشفافية أكثر من غيرها لأنها تجعلها أكثر قدرة على ممارسة دورها، فانعدامها يجعلها بوقاً أجوف، ولسان حال الإعلام الموجه في المجتمعات الشمولية الغاربة، هناك أمور كثيرة خاصة حين يكون الحدث محلياً صرفاً، تعطي وسائل إعلامنا المحلية كعادتها دائماً زمام المبادرة إلى وسائل إعلام عربية وعالمية في تولي القضية، وتبنيها، وطرحها بكل الملابسات التي فيها، في ظل سكوت إعلامي محلي غير مبرر أو تعتيم غير معروف.
وبعد أن تتناول وسائل الإعلام الخارجي الموضوع تتنبه صحفنا بعد أربعة أيام وتطرح الخبر وهي تتثاءب، أن الشفافية ليست حكراً على المؤسسات التي تحمل على كتفيها الصوت والصورة والكلمة فقط، بل هي لكل مؤسسات المجتمع، فإذا تستّر موظف على ما يحدث في مؤسسته ولم يخبر رئيسه فهذه حالة، وإن أهملنا ما يقوله الناس عن تصرفات موظفين في دوائر محلية أو وزارات اتحادية من إهمال واستغلال مناصب، وجعل الأمور الشخصية هي التي تتحكم في تصرّفاتنا كمسؤولين ومرؤوسين، بغض النظر إن ظلمنا أحداً أو ظلمنا مجتمعنا ووطننا أو حتى أنفسنا بهذا التصرف، فهذه حالة أيضاً، ولو ظهر الظلم والتخبط هنا أو هناك ولم نقم بردعه ولو بأضعف الإيمان وتسترنا على الحالات، لملمنا بعضها، واخترنا كبشاً للفداء للأخرى، فهذه حالة أخرى.
إن أهملنا شكاوى وتظلّمات وتذمرات البسطاء واعتبرناها من متطلّبات الناس التي لا يرضيها العجب ولا الصيام في رجب، فهذه حالة أخرى أيضاً، وبذلك تكبر حالة الشفافية من البيت الصغير إلى المؤسسة الكبيرة، إلى الوطن الصغير، إلى الوطن الكبير، فتظهر حالات اجتماعية وسياسية وثقافية واقتصادية، ونعيشها كمشكلات شبه يومية، وأزمات مستديمة، قديمة وجديدة، وكل ذلك بسبب غياب الشفافية في معالجة المشكلات الصغيرة والبسيطة، والتي تكبر مع الأيام وتتدحرج مثل كرة الثلج، وربما لو عالجناها في وقتها، وعالجنا عقدة النقص، وعدم الوعي، ومكابرة الجهل، وحب الذاتية، والبعد عن الموضوعية في شخصية الموظف وذهنية المسؤول المتسبب فيها، لخففنا الكثير من الأثقال التي تنوء بها أكتاف الناس المخلصين والوطنيين، والمجتمعات التي تنشد الحياة الحرة الكريمة الآمنة، والأوطان التي تسعى للرقي والتطور، ببساطة مزيد من الشفافية يعني الكثير من العافية!


amood8@yahoo.com