اقترحت عليهم الحكومة تزويدهم بالكهرباء وبناء مدارس لهم، لكنهم رفضوا. فأفراد قبيلة “بدوي” يفضلون السير حفاة وزراعة تلالهم الخصبة بأيديهم في جزيرة جاوا الإندونيسية، رافضين العرض الحكومي المغري، حيث لا أهمية للتكنولوجيا من وجهة نظرهم، بل العكس فهم مستعدون لتقديم ألف سبب يجعلهم يعارضون تقدم التكنولوجيا وغزو الكهرباء!
هذه القبيلة لاتزال تقف بقوة في وجه محاولات الحكومة إدخال ملامح التطور والمدنية على حياة أفرادها، لأن عقلاءها يتحدثون اليوم عن حياة هانئة سيفقدونها حتماً بمجرد وصول التكنولوجيا إلى ربوعهم، فماذا يريد الإنسان كي يكون سعيداً يا ترى؟ وهل يصنع الإنسان سعادته بنفسه أم أنها معادلة تتحقق بفضل عوامل خارجية؟ هذان السؤالان اللذان يشكلان ركيزة فلسفة وجودية تقوم عليها نظريات المتعة والسعادة البشرية اختصرتها هذه القبيلة ببساطة عندما قال أحد شبابها للصحافة: “نعيش حياة هانئة بالتناغم مع الطبيعة ولا ينقصنا شيء”.
اليوم ونحن نتمتع بحياة متطورة، تحفل بمختلف وسائل التكنولوجيا الحديثة التي لم نعد نستطيع الاستغناء عنها أو تصور حياتنا بدونها، فإننا كمعظم سكان المجتمعات المتقدمة والمتطورة والتكنولوجية نشكو دون توقف من آفات هذه التكنولوجيا ومن الآثار الاجتماعية المدمرة لشيوع التقنيات الحديثة، للدرجة التي سلبتنا الكثير من أبجديات الإحساس بالسعادة والرضا.
ماذا يتوجب على الإنسان حتى يكون هانئاً وسعيداً؟ وإذا طرحنا السؤال بشكل مباشر أكثر: ماهي مكونات خلطة أو معادلة السعادة الإنسانية؟ كيف يكون الإنسان سعيداً؟ فإننا بالتأكيد لن نحصل على إجابة واحدة ولا حتى ألف إجابة، فهذا الهدف الإنساني العظيم والكبير والأزلي – وهو السعادة – كان ولا يزال هدفاً ومسعى إنسانياً ثابتاً لم يتوقف الإنسان منذ خلق عن فهم أسراره والبحث لتحقيقه دون جدوى!!
وإذا كانت السعادة بهذه الخطورة كمعنى وكمفهوم فلسفي وكقيمة براجماتية إنسانية كبيرة، فلماذا نستغرب أن يتمسك أفراد هذه القبيلة الإندونيسية البدائية بتخلف أوضاعهم ورفض عروض الحكومة المتكررة من أجل إدخال الكهرباء والتكنولوجيا إلى عقر قبيلتهم؟ طالما أنهم يجدون في أوضاعهم البدائية جواباً ومدخلاً لتركيبة السعادة؟ ألن يكونوا مجانين ومتخلفين حقيقيين إذا تخلوا عن سعادتهم في مقابل لمبات تشتعل بأزرار كهربائية وسخانات ماء وأحذية ينتعلونها ليسيروا في طرقات من الأسفلت؟
ألن يكون المقابل لاشتعال أضواء النيون والكهرباء انطفاء أضواء الشعور بالرضا والبهجة في قلوبهم؟ وأحذية الجلد هل ستوازي أحذية الريح التي ينطلقون بها كل يوم بأرجلهم الحافية عبر الحقول الخضراء متشممين رائحة العشب الطازج وورود الغابات، مستقلين بهاء الدنيا وبكاء أطفالهم بالصبر والثرثرة وبالقليل جداً من النكد وهم التفكير في فواتير الكهرباء وأقساط المدارس وحوادث السير وضوضاء السيارات، وفواتير الضمان الصحي وانتظار الراتب الذي ما يلبث يأتي حتى يطير إلى حيث لا يدري و.... إلخ، لماذا عليهم أن يستبدلوا القناعة وراحة البال بالكهرباء والكمبيوترات والبلاك بيري؟
ترزق بالكثير من الأطفال دون أدنى تفكير في هموم التربية والنفقات، لا يدرون بما يحدث في العالم من حروب وكوارث ومآسٍ، لا يتصارعون بسبب البورصة، ولا يدرون إن كان هناك كأس العالم أو الأخطبوط بول، أو المفاعل النووي الإيراني أو تنظيم القاعدة، حدودهم تنتهي عند أطراف حقولهم، ويومهم يبدأ مع خيوط الفجر وصياح الأطفال وعبق الغابات الاستوائية، مكتفين بإنتاج غاباتهم ولا يطلبون أكثر، فلماذا يجب عليهم أن يؤمنوا بأهمية التكنولوجيا إذا كانوا يحققون المعادلة التي لن تحققها التكنولوجيا أبداً .. معادلة الرضا والسعادة؟؟؟


ayya-222@hotmail.com