قبل أيام قليلة، بدأت شركات توزيع وبيع الوقود تنفيذ قرار الزيادة الجديدة للأسعار، وذلك ضمن التوجه نحو تعويم الأسعار، وفي الوقت الذي تسعى فيه الشركات إلى وضع حد لخسائرها، لا يكف بعض المستهلكين عن التذمر وإبداء استيائهم من هذه الإجراءات وانعكاساتها على التكاليف المباشرة وغير المباشرة التي سيتحملونها. رفع أسعار الوقود في الكثير من البلدان، يشكل صدمة للمستهلكين ودائماً ما يواجَه بالرفض الشديد، ولكن الحال يجب ألا تكون كذلك هنا في الإمارات، حيث إن التوجه العام للدولة يستهدف تحقيق مستويات عالية من الرفاهية والعيش الكريم للمواطنين والمقيمين وفق أسس اقتصادية سليمة. ما يجب أن يدركه المستهلكون، هو أنه من غير المنطقي أن تظل الدولة داعمة لأسعار الوقود، وأن توفر في الوقت ذاته معدلات دخل مرتفعة للأفراد، تعتبر من بين الأعلى في العالم، وحين يقوم بعض المستهلكين بمقارنة أسعار الوقود بعد الزيادة، بأسعار دول أخرى تقدم حكوماتها دعماً لأسعار الوقود، فيجب أيضاً مقارنة مستوى دخول ورواتب الموظفين في الإمارات، بما يحصل عليه نظراؤهم في تلك الدول. الدولة اتخذت قراراً مهماً بزيادة الرواتب في المؤسسات الاتحادية وأغلب أو جميع الدوائر المحلية بالدولة، وذلك قبل أكثر من عامين ونصف العام، وهو ما شكل نقلة حقيقية في مستوى المعيشة، ولكن أن تظل الدولة متكفلة بهذا المستوى من الدخل، مع تكفلها بدعم أسعار الوقود والمحروقات فهو مطلب ليس في محله، خصوصاً أن سياسة دعم الأسعار في أي منتج لا تعتبر سليمة في الاقتصاد الحديث. الكثير من المتذمرين لا يلتفتون إلى ما وفرته الدولة منذ قررت زيادة الرواتب، وعلى الرغم من وجود متغيرات في الأعوام القليلة الماضية من حيث تكاليف المعيشة والضغوط التضخمية، إلا أن الكثير من تلك الضغوط شهد تراجعاً منذ بداية العام الماضي، كما أن المستويات المعيشية للأفراد أصبحت أفضل مما كانت عليه سابقاً، والزيادة الأخيرة لسعر الوقود ستكلف أغلب الأشخاص ما يتراوح بين 100 و150 درهماً إضافية في كل شهر، كتكلفة مباشرة لوقود السيارات، والواقع أن هذه التكلفة لا تستحق تصوير الأمر وكأنه عبء كبير يتم إلقاؤه على الأفراد. لست ضد مصالح المستهلكين، فالكل يسعى إلى تحقيق ما فيه الخير للمواطنين والمقيمين، ولكن يجب أن يكون هناك إدراك لأهمية القرارات الاستراتيجية الهادفة لتحقيق التوازن بين مصالح الأفراد والشركات والجهات الحكومية، والاقتناع بأن السياسات الاقتصادية السليمة ينبغي تنفيذها، لأنها تسهم في بناء اقتصاد حقيقي وسليم، وذلك من خلال التعامل الواقعي مع أوضاع السوق وأسعار المواد المختلفة، والتأقلم مع انعكاسات تلك الأوضاع على الأفراد والشركات، أما الدعم والتدخل المباشران من الحكومات، فهما يوفران أجواء غير حقيقية لا تدوم طويلاً، وقد تتلاشى عند العجز عن مواصلة تقديم ذلك الدعم في أي وقت من الأوقات. hussain.alhamadi@admedia.ae