مملكة البحرين، بلد عربي مسلم، تعايشت فيه المذاهب، والطوائف على سجادة من حرير اجتماعي، ثقافي كان مثالاً يحتذى، ونموذجاً إنسانياً رائعاً، ولم يأت ذلك من فراغ بل لأن البحرين تنتمي منذ الأزل إلى حضارة عريقة ألفت بين المفاصل والفواصل، وجعلت من هذا البلد مكاناً للأمن والأمان، ومحطة من محطات تنفس الأوكسجين النقي، خالياً من غبار النعرات، صافياً من شوائب النزعات، نقياً من حثالة الشيزوفرينيا البغيضة.. بحرين، بحر العين التي أسهمت كثيراً في بناء الثقافة العربية والإسلامية والإنسانية، وأجمل ما في التنوع الثقافي في البحرين أنها كانت رافداً مهماً من روافد الإنتاج الفكري والإبداع الثقافي.
اليوم وبعد نشوء الاضطرابات الأخيرة في البحرين انتفضت أكتاف، وارتعشت مشاعر، وارتعدت فرائص، وجز البعض أسنانه وصكها منصباً نفسه قاضياً يترافع عن حقوق فئة معتبراً ما يجري في البحرين هو ظلم لهذه الفئة وعليه نصرتها وإدانة الحكومة البحرينية كونها هبت لبسط الأمن، وردم الهوة بين فئة وأخرى.. المناصرون لفئة دون أخرى يثبتون أنهم يعانون من انفصام في الشخصية وانفصال تام عن الحقيقة لأنهم يداهنون في بقعة من بقاع الأرض، ويناهضون في بقعة أخرى، وأعتقد أن هؤلاء إذا كانوا يريدون المناصرة انطلاقاً من مبادئ الإسلام، فإسلامنا يؤكد أن الأقربين أولى بالمناصرة، وأولى بالتحدث عن حقوقهم.
السيد حسن نصر الله، اعتبر ما يجري في البحرين أمراً يهمه لأنه يمثل ظلماً وقهراً لفئةٍ تطالب بحقوق مشروعة، وقد وضع نفسه وجيشه الجرار رهن الإشارة لإنقاذ من “يُقهرون” في البحرين، بينما ما يجري في سوريا، وهي البلد الذي يكمن في الخاصرة والضلع والوريد بالنسبة للبنان لم يهز وجدان السيد نصر الله، ولم يحرك في نفسه ساكنا.. هذا التناقض في تناول الأحداث والتعاطي مع القضايا، وهذا التهاتف خلف أطيافاً ضبابية وهو أمر مثير للريبة ويؤكد أن هناك أجندات، وأن هُناك معايير مزدوجة يمارسها “المناضلون” على الساحة العربية، لا تعتني كثيراً بالحرية ولا بالديمقراطية، بقدر ما تتوغل كثيراً في أتون نزعات فئوية تتجاوز حدود الأوطان وحقوق السيادة.
البحرين بالفعل تمر بلحظة تاريخية عصيبة وكل مخلص وصادق ومحب لدينه ومؤمن بأهمية الاستقرار، والأمن في أي بلد عربي عليه أن يترفع عن الإرهاصات المذهبية، وأن يسمو بنفسه عن شعارات لا تسمن ولا تغني أبداً، وأن ينظر إلى دول الخليج العربي على أنها عنق الزجاجة، وهي محور الاستقرار العربي والعالمي، وأي مساس بهذه المنطقة لأي غرض من الأغراض السياسية أو العقائدية، فإنه نيرون جديد يريد أن يحرق الأرض ومن عليها بذرائع واهية وحجج باهتة.



marafea@emi.ae