حقق مجلس التعاون، لدول الخليج العربية، منذ انطلاقه عام 1981 من أبوظبي، خطوات مهمة على طريق التكامل بين دوله، في مختلف القطاعات التي تعزز من مسيرة المجلس، ولكن ما زالت هذه الإنجازات دون طموحات شعوب المنطقة، التي تتطلع إلى المزيد من التكامل، الذي يعزز المصير المشترك لدول المنطقة.
وراهن الكثيرون عند إطلاق المجلس، في عام 1981 على فشله، في ظل الأحداث الجسيمة والكبيرة التي شهدتها المنطقة، ومنها “حرب الخليج الأولى”، ولكن دول المجلس استطاعت أن تتجاوز الكثير من المحن، والأنواء، وسارت بسفينة التعاون إلى بر الأمان، نظراً للبنية التحتية المتينة التي تربط شعوب المنطقة في الأساس، التي تشكل نسيجاً قوياً في مقومات ولبنات دول المجلس، هذا بالإضافة إلى حكمة قادة دول المجلس، التي تعاملت مع أحداث كبيرة غيّرت إلى حد كبير من وجه المنطقة، بحكمة ورؤية بعيدة المدى، تنطلق في الأساس من وحدة المصير الخليجي.
إن الأحداث التي تمر بها المنطقة حالياً، واستمرار استقواء بعض الجماعات والفئات والطوائف، ومحاولاتها المستمرة التدخل في الشؤون الداخلية لبعض دول الخليج مثلما حدث في الشقيقة البحرين مؤخراً، وما تشهده المنطقة العربية من ثورات كما في مصر، تونس، ليبيا، اليمن، سوريا، الجزائر ستترك آثاراً عميقة على المنطقة، تدعو دول مجلس التعاون للتحرك وبشكل لا يحتمل الإبطاء إلى تحديد انطلاقة جديدة لدول المجلس، ترتكز وتنطلق من معطيات هذه الأحداث التي ستعمل بالتأكيد على تغيرات عميقة في المنطقة العربية.
إن دول مجلس التعاون الخليجي كانت دائماً سباقة في استقراء المستقبل، ولعلنا في هذه الظروف الحساسة التي تمر بها المنطقة بحاجة إلى قراءة متأنية لمستقبل التعاون، فهناك العديد من المؤشرات الإقليمية والدولية والمستجدات تدعونا إلى التوقف عندها وإعادة الحسابات من جديد في ظل هذه المستجدات والتطورات وبحث القضايا المهمة، سبل التعاون الاقتصادي، وتطوير منظومة درع الجزيرة، والوحدة النقدية، والتعليم، والتطور الاجتماعي، لمواجهة التحديات الجديدة، متسلحين بما يضمن حماية وحدتنا الخليجية ومكتسباتها.
ولن تستطيع دولة بمفردها مهما أوتيت من إمكانات وقدرات أن تواجه تحديات المرحلة المقبلة لوحدها، فماذا أعددنا نحن في دول المجلس من حل لتأمين غذائنا مثلاً؟ أو حلول لمشكلات تناقص المياه، أو الأمن الاجتماعي (الأمن الوقائي الاجتماعي)، وتحصين المجتمع من التدفق غير الرشيد والخطير جداً للفضاء المفتوح، أو الأسرة التي نراها اليوم تنشطر، أو غيرها الكثير من التحديات التي تواجه العالم وشعوب المنطقة.
المرحلة الراهنة بكل ما فيها يجب أن تحفزنا وتحركنا نحو الحفاظ على مكتسبات دول التعاون، وتحصينها من كل ما يحيط به من أخطار وتحديات، والعمل على زيادة التقارب والتعاون بشكل أكبر، وإزالة كافة العقبات التي تعترض طريق إقامة نظام اجتماعي اقتصادي أمني أكثر تكاملاً.


m.eisa@alittihad.ae