الكلام عن الحرية كلام جميل ومبهر جداً من الناحية العاطفية، والدعوة إلى جمهوريات مثالية ليست جديدة بل هي منذ عهد أفلاطون وإلى يوم يبعثون ستظل تراود الناس في أحلامهم وفي يقظتهم، ولكن ما يجري على الساحة العربية من فورات واحتجاجات لا بد وأن يخضع للتحليل والتعليل والتفصيل حتى لا تأخذنا الأحلام إلى الجري خلف سراب يؤدي إلى أرض يباب.
نتوجس مما يجري لأن الذين يقودون هذه الحافلات الثورية إما شباب تنقصهم الدراية السياسية أو من زعامات حزبية باضت في أعشاشها الغربان ورغت في قطعانها الرعيان، وكل زعيم حزب ربض على كرسيه عقوداً من الزمن دون أن يتزحزح ويطالب اليوم بديمقراطية يتم خلالها تداول الكراسي ومن لا يمارس الشيء على نفسه لا يستطيع أن يطلبه من غيره لأن فاقد الشيء لا يعطيه.. إذاً نحن أمام محك تاريخي عصيب وأمام تجربة في التعاطي السياسي لا يفقه أصولها الشباب ولم يجربها المعتقون من زعماء الأحزاب، الأمر الذي يثير الريبة ويبعث على التوجس لأن ما يهدد منطقتنا العربية هو هذا الضباب المتلاطم وهذا الغي الغاشم وهذا الاحتباس الحراري المتفاقم وهذا الاحتقان الذي يؤدي إلى عدم الاتزان، وهذا الرهان الذي يبشر بخسران فظيع ومريع.
لو تخلينا عن العواطف ولو نزعنا من قلوبنا هذا الفرح العاصف وتوقفنا قليلاً عند اللحظة التاريخية ونظرنا إلى ما يجري بعيون فاحصة، سنعرف أن الأمر يحتاج إلى كثير من البصيرة وإلى مزيد من التعرف على تضاريس القوى المحركة لهذا الطوفان الأشبه بتسونامي اليابان.
نحن بحاجة إلى الحرية كحاجتنا إلى الماء والهواء ولكن عندما يتحول مطلب الحرية إلى علاقة غير جدلية ما بين الواقع ومحركاته الاجتماعية فإن الأمر يحتاج إلى فسخ عقد القران غير الشرعي ما بين الأوطان وبين العشوائية.
نحن بحاجة إلى أسطورة سياسية تفسر لنا هذا الطغيان الفوضوي وإلى عبقرية فذة تحلل كيف ينساق الناس خلف معطيات غير محسوبة وغير مدروسة قد تؤدي إلى فقدان الممكن ليصبح المطلوب مستحيلاً أبدياً، نحن بحاجة إلى عقلاء خارج الأطر الشبابية المتحمسة بلا منهج وخارج الأقفاص الحزبية التي تتحرك بالريموت كونترول مأخوذة بالأحمر الفاقع وهي لاتزال مدججة بأسوار السجادات العتيقة محملة بأوزار أحلامها الفردية والزعيم الخرافي الخالد.
نحن بحاجة إلى بضعة أفكار تجدد أحلامنا الشبابية الشاردة في محيطات الانهيارات الأرضية وبحاجة إلى بضعة أفكار تغير مفاهيم الزعامات الحزبية المحقونة بالبغض والكراهية لترتدي من جديد لباس العالم الجديد بلا ثأرات قديمة.. نحن بعد كل هذا وذاك نستطيع أن نتحرر من هواجسنا.



marafea@emi.ae