تسأل عن الحضارات القديمة في مختلف بقاع العالم فتجد أن معظمها قد اندثر ولم يبق منها إلا ملامح طمر الوقت معظمها، إلا في اليمن سينتابك الشك أن يكون الزمن قد مر على هذه الأرض. في اليمن أنت تقرأ التاريخ وتراه، ترى مملكة سبأ وقتبان ترى حمير ومعين وأوسان وحضرموت وغيرها كثر. اليمن جذور تفرع منها العديد من الناس وانتشروا إلى عوالم مختلفة حاملين معهم، أصالتهم، وقهوتهم التي شربها العالم ونسي منبتها. كان ميناء «المخا» المنطقة التي انتشر منها البن اليمني إلى مختلف أقطار العالم. ففي منتصف القرن السابع عشر كانت اليمن وأثيوبيا فقط من يزرع البن، وامتاز البن اليمني بمذاقه الحلو لهذا السبب جاء مصطلح «موكا» مرتبطاً بالمشروبات والشوكولاتة. وكانت سلطات اليمن في ذاك الوقت قد حظرت تصدير البن غير المحمص والمقشر خارج الشرق الأوسط وأثيوبيا حتى يستحيل زرع البن في أماكن أخرى، إلى أن الهولنديين تمكنوا من نقل شتلات لهذه الشجرة إلى خارج حدودها ومن ثم انتشرت إلى العالم أجمع. تشم رائحة البن المحمص، وتسمع صوت الدان، كلما مشيت على أرضها أو لم تمش، فهي تفوح بالمعرفة والحكمة أو لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم «إن الحكمة يمانية». يتفاخر اليمنيون بمعرفتهم بجدهم العشرين، وسلالتهم وأصالتهم وعروبتهم وجزالة ألفاظهم. والجميل في هذا الجزء المهم من شبه الجزيرة العربية يكمن في بساطة شعبه وأصالته التي لا يمكن أن تختفي. هذه البلاد لقبت بكثير من الألقاب إلا أن لقب «السعيدة» الأكثر التصاقاً بها، وسميت بذلك لأنها كانت مزدهرة في زمن الحضارات القديمة. عندما نتكلم عن اليمن فإننا لا نعرف من أين نبدأ وإلى أين ننتهي، لا عسل «دوعن»، ولا البن، ولا الماضي والحاضر، ولا تقاسيم العود ولا صوت الدان تصف لنا اليمن، اليمن ذلك الإنسان الذي عاش حضارة على أرضه وبناء حضارات خارج حدوده. هي تراث وحضارة، هي الأمس التي يبحث عن الحاضر والمستقبل، هي الأصالة الراغبة بالتطور، هي حبات البن ورائحته، هي مزيج حضاري وفن معمراي، تجاوز الزمن. وتظل اليمن بكل تفاصيلها موجودة في فنجان قهوة بالزنجبيل، يحمص البن ويطحن ويغلي مع الماء ويضاف إليه الهيل والقرفة والزعفران كأي قهوة عربية إلى أن القهوة اليمنية العتيدة تعد من البن والزنجبيل ولا يضر إن تمت إضافة بعض قشور البن إليها، ولكن يجب أن تفوح رائحة القهوة حتى نعي مذاقها الأصيل. ameena.awadh@admedia.ae