أن الأشياء الثمينة بحاجة لحراس، ولأن الأشياء الجميلة بحاجة لحراس، ولأن الأشياء المتعوب عليها بحاجة لحراس، ولأن النجاح بحاجة لحراس، ولأن صورة الأمن والأمان والطمأنينة التي تكبد الرجال هنا في رسمها طوال تلك السنين بحاجة لحراس، ولأن العواصم من سماتها الاستقرار وهيبة الأمكنة، فهي بحاجة لحراس، ولأن الوقت اليوم تغير والحال تبدل، ولا تقدر كثيراً أن تميز بين شخص نابه أزرق يضمر العداوة لك، وآخر يسنّ أسنانه على تفوقك، وآخر يخبئ لك خنجراً في الظلمة ليسرق سعادتك، وبين شخص يلبس قناعاً، مرة يستر به الوجه القبيح، ومرة يغطي به تلك الابتسامة الصفراء التي لا تميزها، ومرة يبطن غير ما يظهر، ومرة يضحك عليك بمعسول الكلام، وينفخ صدرك بهواء الحروف الكاذبة، لذا كان لا بد من وجود حرّاس حقيقيين للأوطان ومقدراتها ومكتسباتها ونجاحاتها قد لا يرون، وقد لا يسمع عنهم أحد، وقد تلتقيهم، وترد على تحيتهم، لكنك لا تعرفهم، ولا هم يفاخرون بما يفعلون، ولا من طبيعتهم أن يمارون، سمتهم النظافة في كل شيء، وأثمانهم غالية لأن العهد أقسموه بالرب، والوعد ضمنوه بالدم، من أجل أن يبقى الوطن عزيزاً دائماً.. وكريماً أبداً.
لكن أحياناً نريدهم أن يكونوا ظاهرين ومعروفين، ويشعر بهم الجميع خاصة وقت الشدائد والأزمات، وحين “ينقع الصايح.. وحين تحق من عينها” لأنهم المثل الجميل والقدوة الحسنة، وعناوين فخر للوطن، هم موجودون في كل الأوطان، وكل الأوطان بحاجة لمثل هؤلاء الحراس النظيفين، يمكنك أن تساومهم على أشياء صغائر في الدنيا، ولا يقبلون ولا يغضبون، يمكنك أن تغريهم بأشياء من فضائل الدنيا، لكنهم صعب أن يغرون، وربما لا يغضبون، لكنك لا تقدر أن تساومهم على إخلاصهم وقلوبهم، حينها يغضبون حد العمى، فهذه الأمور خطوط حمراء، وأشياء لا تقبل القسمة، وهي ليست ملكهم بل منذورة لمن يحبون، ومن يحبون غير الوطن.
هؤلاء الناس يبقون دائماً جزءاً من طمأنينة القلب، وجزءاً من سلامة الأوطان، يقودهم الحذر، لأن الحذر واجب، ينامون بعين والأخرى تطالع، إن وثب أحدهم، وثب لينجز، وإن أشار بأصبع الاتهام فبعد صبر وعقل ولا يتراجع، يعرفون أن النار أول ما تبدأ في العشب اليابس، ثم تأتي على حظرها، ويدركون معنى ومبنى بيت بن ظاهر:
لي ما بنى بيت التقى يوم الرخا
وإلا على الشطات ما واحا لها
مرد الحديث أن الإمارات اليوم لها مكانتها العالية، وبحاجة أن تظهر حراسها، وأن الإمارات اليوم وطن يحلم به الكثير كأنموذج للنجاح، ومعنى للاستقرار وبحاجة أن يعرفوا أن له حراساً، وأن الناعقين كثرٌٌ، والنابحين كثرٌ، والمرجفين كثرٌ، وهؤلاء يجب أن يعرفوا بأس حرّاس الأوطان الشرفاء، ومعنى تلك الحُمرة في العين.


amood8@yahoo.com