لدينا بعض الإشكاليات الاجتماعية التي نحتاج لأن نتوقف عندها مليا وبشكل جاد، لسببن: لمعرفة أبعادها واتجاهاتها ومدى تأثيراتها سلبا أو إيجابا، وكيفية تعامل المجتمعات الأخرى معها سواء كانت تلك التي نتقارب ونتشابه معها او تلك التي تجمعنا بها علاقات الإنسانية البحتة، أما السبب الثاني فيترتب على ما سبق حيث سنتمكن بعد كل هذا الفهم والإحاطة من التوصل الى علاجات وحلول ومخارج تفيد المجتمع وتصب في مسيرة تنميته البشرية والإنسانية، ولعل ظاهرة الفئات الاجتماعية التي تعاني من التهميش الاجتماعي واحدة من هذه الإشكالات التي تستوجب الحل العاجل.
إننا حين نسافر الى بلدان العالم المختلفة العربية والاجنبية على حد سواء، نلحظ تنوعا اجتماعيا في المحيط العام الذي يتحرك فيه الناس، في الشارع كما في السوق ومحلات البقالة الصغيرة والمقاهي والمطاعم والحدائق و.... الخ، فهناك الشباب والشيوخ، الرجال والنساء، الاطفال والعجائز، الفقراء والاثرياء، الاصحاء والعاقين، الكل يتمتع بحق التحرك في تلك الفضاءات وعلى حد سواء بعيدا عن تفاوت النظرة الاجتماعية التي يحملها الثري للفقير أو استاذ الجامعة للسجين السابق أو البعض للمعاق وهكذا، لكن المهم ان هناك اعترافا ضمنيا وتضامنيا على حق الجميع في التحرك والتواجد بحرية مطلقة فلا مقاهي للشباب فقط ولا مطاعم للنساء فقط ولا اسواق للعجائز فقط.
وفي كثير من دول اوروبا التي زرتها وجدت ان التعامل مع الشخص المعاق يتم باحترام شديد بعيد عن الدونية او التجاهل او النبذ وعدم الاحساس بالاهمية لأنه معاق، فدول اوروبا تحتكم الى قوانين عالمية فيما يتعلق بحقو الانسان بشكل عام وحقوق الفئات الخاصة بشكل عام، وأتذكر أنني كنت في واشنطن ذات يوم وقد أقام رجل يتحرك بواسطة الكرسي المتحرك دعوى قضائية على احدى المجمعات السكنية لأنه لم يتم توفير مسارب وممرات خاصة للمعاقين الذين يتحركون بالكراسي كما لاتوجد تجهيزات خاصة بهم داخل بعض الشقق ودورات المياه، ولقد كسب الرجل الدعوة بالفعل وتم اضافة هذه التجهيزات بحكم قضائي، ما يعني ان ادماج المعاق لا يتم هناك وفق مزاج البعض أو وفق درجة ثقافته وتعاطفه مع هذه الفئة لكنه تحول الى واقع ملزم بحكم الدستور والقانون والقضاء.
ان وجود اسرة بمعية ابنها المعاق داخل مطعم او في نزهة خارجية او في محطة القطارات او في اي مكان من المشاهد المألوفة جدا هناك ويتم التعامل مع هؤلاء بأريحية عالية وبدرجة كبيرة من التأهيل والصبر والعزيمة وفق عقلية تؤمن بحقهم في الحياة والنزهة والتسوق، بينما لايزال عدد كبير عندنا يرى في الابن المعاق او الابنة المعاقة شيئا يشبه العيب او العورة التي يتم اخفاؤها خوفا من الفضيحة... للأسف.
نحتاج إلى دور إعلامي يحفر كثيرا وعميقا في وعي المجتمع وذاكرته ومشاعره ليكرس واقعا مختلفا قائما على الحقوق والالتزامات والاحترام، واقعا يدمج فيه المعاق وكبير السن والارملة ومجهول الابوين والمؤهلين بعد علاج الادمانو....الخ. فهؤلاء فئات موجودة بيننا لكننا لا نشعر بوجودهم لأن كثيرين قرروا الغاءهم وعدم التعامل معهم بناء على تصورات مسبقة وصور نمطية خاطئة نتج عنها تجنبهم في الوقت الذي لم يبذل الاعلام جهدا كبيرا في اتجاه تصحيح المفاهيم وتبني قضاياهم بشكل مستمر.

ayya-222@hotmail.com