كرسي المدرسة: يمنح الطفل في المدرسة كرسيا لا ليجلس عليه مرتاحاً، وإنما ليتدرب فيه على فن القيام والنهوض الفوري إذا دخل المدرس المبجل غرفة الفصل مستقيماً وبطلاً مثل جنرال صارم الى درجة أن كتيبة الطلاب الصغار تظل ترتجف وهم واقفون كالأصنام ولا يتجرأ أحد منهم على الجلوس إلا بعد أن يشير إليهم المدرس بيديه أو يتفضل بنطق الكلمة الآمرة المريرة (جلوس). والجميل في كراسي المدرسة أن الجالسين عليها سواسية ولا فرق بين من هم في الأمام ومن في الخلف. ولا فرق بين كرسي وكرسي. كرسي الوظيفة: لا أحد يعرف من أين جاءت فكرة السباق على الكراسي في وظائف الروتين، ولماذا يتقاضى الجالسون في غرف التكييف الباردة أضعاف مضاعفة عن أولئك العاملين في الشمس وهم يحملون الأثقال والصخور والحديد على ظهورهم؟ بينما الآخرون يراقبونهم من وراء الزجاج ولا شغلة لهم سوى كتابة الرسائل والإيميلات. أي عدالة هنا؟ ولماذا لا يحق للعامل والنجار والفراش أن تكون لهم كراسي مثل بقية البشر؟ كرسي الوصول: كما هي طبقات الناس في المجتمع فإن كراسي السيارات والطائرات والقطارات تختلف هي الأخرى، والراغب في معرفة مستويات البشر عليه أن يمر في الدرجات الأولى والكبائن الوثيرة ليشهد فحش الثراء الذي يخصص لشخص واحد مكاناً يتسع لعشرة، بينما على رصيف المغادرة يقف الآلاف بلا تذاكر ولا أمتعة سوى حلمهم بالرحيل الى البعيد والوصول الى أرض السعادة المنشودة. مرة أخرى أين العدالة هنا؟ كرسي الثورة: يقود الجنرال كتيبة الأمل وينتصر في انقلابه على الأصول القديمة رافعاً شعار الثورة والحرية واقفاً منتشياً على منصة النصر. لكنه ما إن يجلس على كرسي الثورة حتى يصير صنماً يركع له الجنود الخائفون من انقلابه عليهم. والغريب في الثورات حقاً أنها تبدأ بلا كراسي، مجرد مجموعات راجلة تتنقل من موقع الى آخر الى أن تظفر بطريقة ما بالنصر، ولكن هؤلاء يتحولون مع الزمن الى رموز صنمية ولا يتزحزحون من أماكنهم مهما كلف الأمر. ولا يستثنى من ذلك سوى الثائر الرمز تشي جيفارا الذي لم تغره الكراسي والمناصب بقدر ما جذبته روعة البقاء في الثورة (المستمرة) حتى النهاية. فهل توجد حقاً ثورة مستمرة؟ بالتأكيد نعم. ولكن كيف هي وأين؟ الكرسي الأخير: الكرسي الأخير هو المحاط بالمجد والسلطة والجاه والجبروت. وهو الذي يكثر الواقفون حوله وقد تحرسه الجيوش لأنه يظل الرمز الأعلى للقوة حتى لو كان خالياً. والبشر من على هذا الكرسي مارسوا الظلم العظيم على مدى العصور. والقلة القليلة فقط من أصحاب القلوب الكبيرة عرفوا كيف ينثرون بذور المحبة من هذا الكرسي الذي يسيل له اللعاب وبسببه أهدرت البشرية دماء كثيرة. وقديماً قال الحكماء: لا يهم إن كانت الكراسي من ذهب أو من خشب. ولكن المهم من يجلس عليها. akhozam@yahoo.com