كل كلام مهما كانت صدقيته قائم على افتراض، وكذلك كان شكل بكاء الفريق الياباني بعد خروجه من المونديال العالمي في جنوب أفريقيا، ما جعل الخسارة مأزقا تجاوز الحد المرتبط بقانون اللعب، كون اللعب منافسة قابلة لكل النتائج، فاللعب أياً كان نوعه مبني على تصفية الآخر.
كان بكاء –على ما بدى– ذا طبيعة غيرية، ليس فقط الدموع، إنما ترنيمتها على الوجه بما يُشبه فقدان عزيز بالموت، وأيضاً سلاسة مشاركة حركة الجسد شعرياً لذلك، كما وظهر انهيار عاطفي من نوع خسارة الحبيب، كان مشهداً غزيراً بأداء مسرحي بديهي، رد فعلٍ من النوع المغمور بكونه فعلا من الأصل.
هكذا يمكن لأمل في الحياة، بعد قنبلتي هيروشيما وناجزاكي أن يكونا موضوعاً لكرة القدم، كنوع من مواصلة التاريخ على أساس انتقام خامل، أي ما لا يجعل من الحرب المميتة وأدواتها المدمرة موضوعاً للصراع، - على الأقل الآن -، فالتاريخ يعلمنا أنه لا مناص من انتقام أجيال لاحقة لأخرى قديمة مهما طال الزمن عندما تتوافر الظروف، على الأقل هذا هو القانون الذي يعمل به العالم المعتاد علينا، إلى أن تتغير صفاتنا البيولوجية كتعديل في سلوكنا الجمعي الغريزي الكوني.
لم تعتذر أميركا بعد عن فعل استخدامها للقنبلة النووية على هيروشيما وناجزاكي، هذا الفعل الذي تجاوز مفهوم القوة والضعف في حسم أمور الحياة بالحرب ضمن استطرادةٍ ممكنة في عُرف ما كان موجوداً من أسلحة معتادة، رغم أن البشر في صراعهم عبر التاريخ يسعون متسابقين للإجهاز على بعض ضمن كل ما يتم اكتشافه من أسلحة مبيدة أكثر، إنما القنبلة النووية وضعت قيمة تنتمي لمفهوم “الجحيم” ولم تضع حداً لسباق التسلح.
لا يتأكد لنا مع بكاء “معبد الساموراي” إلا الرغبة للصعود فوزاً. لكن هل هو فقط لمحو عار المنشأ التدميري؟! .
صحيح أن التدمير قابل للمساحات الصغيرة؛ بمعنى خنجر، سكتة قلبية، فشل كلوي، إلخ، من هذا الذي له علاقة لأجل استمرار الحياة بشكل مقبول ضمن قانون الأخذ والعطاء في حدود مهينة أقل.
ألم يحن بعد الاعتذار الرسمي لليابان، بل للبشرية كلها عن القنبلتين حقناً لدماء التاريخ الأرضي ماضياً ومستقبلاً ليكون مشهد اعتذار قائد لما عداه. من الواضح أنها مسألة سياسية تأخذ في الحسبان وضعية كبرياء القوة على مضض اقتصادي مبيد.
ليس العالم سوى كلمة اسمها “العالم”، وهناك في هذا الوجود طبقاً لما نراه ونتعامل معه، يوجد هذا العجز الذي اسمه الآخر، لذلك كثيراً ما تكون الرومانسية مرتبطة بالأجنحة، رومانسية اللجوء إلى الطيور هذه، تحدس عملياً أن أي تقديس هو الارتفاع عن الأرض كدمعة متفردة بمجهود شخصي، مثلما يمكن أن نفهم افتراضاً أن البكاء الكروي الياباني في مونديال جنوب أفريقيا على أنه غدير من الفرح.


محمد المزروعي eachpattern@hotmail.com