الإمارات لم تعد مجتمعاً مغلقاً، محاطاً بأسوار العزلة الصحراوية، بل أصبح هذا البلد يتسع جغرافياً، ويتشعَّب قيمياً، ويتوهج أخلاقياً، بما يحتويه الفضاء الإنساني من أجرام، وكواكب، ونجوم ثقافية، الأمر الذي يفرض على هذا المجتمع وعلى القائمين على تنشئة الأجيال، الانتباه جيداً، واليقظة حيال ما تنتجه الظروف الراهنة من تمازج واختلاط، وتقاسم في لقمة العيش، كما هو التشارك في إنتاج الحضارة .. ومع النهوض الاقتصادي، والتطور الاجتماعي، لا بد وأن يشوب هذا التلاقح من شذرات وجمرات قد تحرق ثياب القيم، وقد تشق قميص الأخلاق من دبر، لذلك فإن الاحتماء بالقيم الراسخة، واللوذ بالأخلاق إلى المبادئ السامية التي تربى عليها السالفون، أمر لا مفر منه، من أجل الحفاظ على لحمة المجتمع، والنأي بالقيم عن النهيق والشهيق والنعيق، ولا بد من وضع الأسس والأجندة الثقافية المتينة التي لا تسمح بمرور المياه الضحلة في مجرى الماء العذب، ولا تفسح المجال لدخول الغبار الأخلاقي، من نافذة الغرفة الأنيقة لمجتمعنا.. نحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى تكثيف الجهود، والتكاتف، والتآلف، والتحالف ضد شيطان الثقافات الغريبة والمريبة، ولا بد من تحمل المسؤولية تجاه الأجيال، والالتزام بأخلاقيات الثقافة المنطلقة إلى الأمام، بسنابك الخيل الأصيلة، دون تثريب أو تخريب للبناء الأساسي، لمجتمع اعتاد وعاش قروناً من الزمن على ثقافة الحب، والانسجام والالتئام والوئام، مجتمع انفتح على الغير منذ القدم ولم ينزع ملابسه، مجتمع سبح في محيطات الآخر ولم يفقد شراعه، مجتمع صعد قمم الثقافات العالية، ولم ينحن لريح الانكسار.. اليوم يتوجب على من يهمهم الأمر، وأول من يهمه هي الأسرة، هذه الشبكة الشائكة المعقدة، يقع على عاتقها مساعدة الجهات الأخرى، في إخراج فيلم العائلة على أحسن صورة أخلاقية، وواجبها في إنتاج جيل آمن مطمئن، مستقر متصالح مع نفسه، بحيث يساهم في صناعة مجتمع، محصن من فيروسات الأمراض الأخلاقية، مُطعّم بحقن أخلاقية عالية القيمة، لا تفرز إلا عناصر اجتماعية، قوية، مطوّقة بأحلام الجمال في الصورة والمضمون.
الأسرة هي الكيان الأوَّلي الذي تتخرج من مدرسته شرائح وفئات، فإن جوّدت الأسرة في التلقين والتلحين، والتمكين، طلع البدر ناصعاً، من ثنايا الصدور الصغيرة، واستطاعت أن تشق الطريق بلا علة أو وهن.. الأسرة هي البويضة التي تضع الحلم الاجتماعي، إن كان شائهاً أو مبهراً.
الأسرة هي كل المجتمع، وكل مفاصله، وفواصله، وجزئياته، وكلياته التي يراها العالم بعد ذلك مكتملة بمكوناتها.



علي أبو الريش | marafea@emi.ae