“إلى اين نحن ذاهبون؟/ لا تسأل، أصعد، أهبط./ ليس هناك نهاية ولا بداية،/ لا توجد إلا هذه اللحظة الحاضرة،/ مليئة بالمرارة، بالعذوبة../ وأبتهج بكل هذا....!” كازنتزاكيس هكذا.. سأمضي في لحظتي.. غافلة قليلاً عن المرارة، لأبتهج بهذا اليوم الذي هو عيدي وعيد كل الأمهات في هذا الكوكب الصغير الهائل النابض بالجمال والمتشح بالهول! سأغلق محطات الفضاء والأرض لأنصت عميقاً الى نبض أمي، تماماً كما كنت أنصت لنبض الحب وأنا مطمئنة في عمق رحمها قبل الخروج إلى المتاهات ومرارة اللحظات التي لا نهاية لها. وسوف أغني لها تماماً كما كانت تغني لي لأغفو على عذوبة صوتها ورقة يدها وهي تغطيني بالحنان وترقب يقظتي لترضعني الحب وترسم لي طرقات الحياة. وسوف اعتقد أن أمي كائن لا ينتمي للطين.. ربما جاءت من الأفق البعيد ومن اكتناز الحب. فالصدر مثل الكون متسع، والكف فيض الماء. وأمي روحها ماس في صلابته، وماس في طبائعه، وماس في جدارته. وأمي قلبها “دانات” مخبأة بصندوق من الذهب. وأمي حين تمضي في الضحى وتسير في البيت المشاكس، يرف حريرها في الضوء، كأجنحة الفراشات وهي تمضي في الرحيق. وأمي حين يرخي الليل عتمته، نعرف اين مجلسها، كما القنديل مشتعلاً. وأمي حين تتركنا، تترك ضوءها فينا، وتترك روحها الحلوة ترفُّ حولنا حيناً وحيناً تتغلغل في أحلامنا وأمانينا. وأمي حين تنهض يحتفي الضوء وينتشي اللغط الحميم مثل الدوائر في انسياب الماء. وأمي حين تخطر في الحديقة تشرئب القرنفلات وترن أجراس البنفسج في الأعالي ويزغرد الياسمين. وأمي إذا مرت على الأرض اليباس ينهض العشب وتخضر الغصون!! لأمي مجدها الأخضر، وحناء المسرة، وقهوة الصبح الندية ممزوجة بروح الهيل، ممزوجة بروح الزعفران. ولأمي الفناجين التي جاءت إليها من وراء البحار، الفناجين المنمنمة بالأهلة والذهب، الفناجين الشفيفة كالضياء. وأمي حين تبتسم تكتسي الأشجار خضرتها وتنهض في زوايا البيت عناقيد من الألق، وينمو في صحارى الروح شيء يشبه الزغب! ??? قليل أن أقول احبك يا أمي وأنقشك في أوراقي وأفكاري وأيامي وأحلامي، فحبك أكبر من لغتي ومن توقي ومن خطوات أقدامي إن سارت على ورد أو جرحها الشوك. أحب حضنك الدافئ إذا سيّج الأيام جنون الثلج. أحبك أن تحيطني كما تلتف من حولي رحاب الكون. أحب أن أعود إلى حضنك من تعبي وأسفاري ومن خيباتي الكبرى ومن عثرات أحلامي. أحبك مرفأي الدائم إذا طوحت بالمجداف في ضباب التيه. أحبك كي أسمو، وكي أرقى، وكي أصفو،، وكي أغدو مثل الحلم، منسوجاً من الرغبات. أحبك أن تغفري الزلاّت وان تسهي عن النسيان وأن أبدو لعينيك طفلة بعد لم أكبر، وأن أبدو لعينيك كما لو أنني الأجمل والأفضل والأكمل. أحبك أن تعرفي أني إذا امتلأت روحي بالإحزان أو فاضت بي النشوة، وإن حاطت بي العتمة أو أضاءتني الأقمار، وإن طوحني التيه وشد العمر قيد العمر.. وحتى في آخر الأيام والأنفاس أحنُّ لحضنك الأغنى بالحب وبالغفران لأروي الروح قبل الغياب، من نبعها الأول !! hamdahkhamis@yahoo.com