نجمع الأحرف فتتكون الكلمات، ونرص الكلمات بالقرب من بعضها لتصبح جملاً.. والجمل أسطر والأسطر فقرات والفقرات صفحات والصفحات تغدو كتباً، نغطيها بلوحة تعبر عنها وننقش الأسماء عليها ونتوجها بعناوين حتى نتعرف عليها. رحلة الكتاب تتجاوز هذه العملية، هي أرواح وخبرات ومشاعر تجمع وتصف وتملأ الصفحات.. هي نبض لا يتوقف عند انتهاء الحبر أو الزمن.. هي أحلام وأمنيات لا تعرف الحدود.. هي معرفة وسيرة وقصة ومسرحية لا تسدل فيها الستار.. هذه الرحلة تبدأ من البشر وتنتهي إلى البشر.. تبدأ بشخص وتنتهي إلى العالم بأسره. عند مدخل معرض الكتاب بأبوظبي، ترى الكتب وهي تستند على الأرفف بكل دلال، بألوانها الزاهية وبمختلف أنواعها وأشكالها، تمر بالقرب منها وتسمعها تقول: «كيف يمكن للكتب الإلكترونية أن تخطف الأضواء مني انظروا إلي، مازلت حاضرة، ألمس جلدي لا يهم إن كانت أوراقي مصقولة أو لا.. المهم أنها بين يديك تستطيع أن تمرر أصابعك بين الأسطر، أقلب الصفحة وطويها، اقرأني بالقرب من شمعة أو مصبح كهربائي فأنا لا أنطفئ، حتى وإن اهترأت أوراقي أبقني قريبا من وسادتك». لا شيء يلغي شيئاً، لا الكتاب الإلكتروني يلغي الورقي ولا العكس، بل أن الإلكتروني جاء امتداداً للكتاب الورقي، ربما هي طريقة جديدة لمخاطبة فئة جديدة من الجيل الجديد أو من المهوسين بالتكنولوجيا، كما أنه لا أحد يستطيع أن يسرق الروايات من بين أيدينا، فكيف ننام ووسادتنا خالية من المعرفة. لا يوجد في الحياة الحقيقية إلغاء لأي شيء جميل ولكن هناك دائما ارتقاء للأفضل أو الأجمل. للكتاب بهجة لا يعرفها إلا من يغوص بين صفحاته، واقتناء الكتاب ليس مثل قراءته أن تعرف ما تحتوي عليه مكتبتك أجمل من أن تزينها بالكتب، فلا الكتاب يختفي بريقة إن لم يدرك صاحبة قيمته، فهو أثمن من أن يركن في زاوية أو على أحد الرفوف. نتعلم القراءة فقط عندما نبدأ بالقراءة، لا يهم كيف نقرأ المهم أن نبدأ في إخراج الحروف ومن ثم الكلمات حتى نتمكن من معرفة وإدراك ماذا نقرأ ولماذا نقرأه، ولمن نقرأ. أن تقرأ هذا يعني أن تبحر في عوالم مختلفة وترى أناساً يشبهونك وآخرين لا تعرفهم، وأن تقرأ يعني أن تتخيل كل ما تقرأه وتعيش تفاصيله، فأنت المخرج لهذا الكتاب الذي بين يديك وشاشة العرض خاصة بك وحدك. العالم بين يديك.. عندما تقرأ، وتعبر الجسر لتصل إلى أفق أبعد مما هو موجود، وتأكد أن أجمل الكتب هي تلك التي تأخذك من عالمك إلى عوالم أخرى وأسوأها هي التي لم تقرأها بعد. ameena.awadh@admedia.ae