“اقرأ”، أولى الكلمات التي أنزلها المولى عز وجل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك يعكس أهمية وفضل ومكانة القراءة العظيمة، وهو ما لا يختلف عليه اثنان، ويتفق الجميع على ما للقراءة من دور في تنمية العقل، وتنويع وإثراء العقل والثقافة ومعرفة العالم وما يدور من حولنا.
وقد أدركت الأجيال السابقة تلك الأهمية العظمى للقراءة، أما جيل اليوم فإنه يحتاج لمعرفة ضرورة القراءة وأهميتها في وقتنا الحالي أكثر من أي وقت مضى، وعدم الاكتفاء بمعرفة تاريخه وثقافته المحلية التي هي ضرورة للحفاظ على الهوية، كي يطلع على ما يدور حوله من تطور وتقدم، إذ نحتاج اليوم لمعرفة الكثير عن الآخر، عن طريق القراءة التي تعد جوهر الثقافة ومحورها الأهم في ظل الثورة المعرفية والمتغيرات الحديثة التي حولت العالم لقرية صغيرة، وازدادت نتيجة لذلك أهمية معرفة الآخرين، بأن نقترب أكثر فأكثر منهم، لنفهمهم ونتعرف على حضاراتهم وثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم، كما نعرّفهم نحن أيضاً على حضارتنا وثقافتنا، فنستفيد من الصالح، ونترك الطالح.
إن الكتاب لم يكن خير جليس للجيل الماضي وجيل اليوم فحسب، إنما سيظل كذلك أيضاً لشباب الغد المنوط بهم قيادة الأمة لمزيد من التقارب والتفاهم والتواصل مع الآخر، سواء في الغرب أو الشرق أو الشمال وحتى الجنوب، ومن المهم جداً التعرف على الثقافات، والقراءة هي السبيل الأقصر والأسهل والأفضل لتحقيق ذلك.
معرض أبوظبي الدولي للكتاب من الأحداث والفعاليات المهمة في مجال الثقافة والأدب والتي تحفل بها أبوظبي كل عام، يسدل اليوم الستار على دورته الحادية والعشرين، ومعه تطوى أيام جميلة قضيناها مع الثقافة والأدب والقراءة، والتي تعد مناسبة جميلة أتاحت، وتتيح سنوياً، لمحبي الكتاب والقلم فرصة التعرف على أهم وأفضل الإصدارات العالمية وأحدثها وأبدعها، فكان أسبوعاً مليئاً بالأنشطة والفعاليات التي صاحبت ورافقت المعرض، والتي كانت محاولة جيدة لردم الفجوة بين القارئ والكتاب وعقد معاهدة صلح، ولعل تنوع واختلاف الفعاليات أثرى الحدث الذي اكتسب من الشهرة والسمعة ما جعله الأهم بالمنطقة والذي ينظره كل قارئ، لمعرفة بوصلة الكتاب واقتناء أهم الإصدارات.
ومن أهم الفعاليات التي رافقت المعرض، وباتت تقليداً يعزز من قيمة الحدث، توزيع جائزة زايد للكتاب في ثاني أيام المعرض، وهو العرس الثقافي المهم الذي ينتظره المثقفون والكتاب من الشرق إلى الغرب، وقد طغت على الدورة الخامسة للجائزة مسحة من التواصل الإنساني مع الآخر وأضفت رونقاً خاصاً بفوز الكاتب الصيني تشونغ جي كون بجائزة شخصية العام الثقافة لتعبر الجائزة في حدودها إلى الصين، وتؤكد أهمية التعرف والتقارب على ثقافة الآخرين رغم بعدها آلاف الكيلومترات والأميال عنا، فالثقافة والأدب لا تحدهما حدود، وهما من أهم جسور التواصل مع الآخر، للتعرف عليه وعلى ما يفكر به وما يهتم به، وما يشغله، لأن الهموم الإنسانية في النهاية واحدة والإنسان أخو الإنسان.


m.eisa@alittihad.ae