مجموعة من المواطنين المتقاعدين، كانوا يعملون في مؤسسات وهيئات حكومية محلية في أبوظبي، وكانوا بحسب أقوالهم، يتقاضون رواتب شهرية ممتازة وفق نظام الراتب الشامل، وهم بهذا يشكرون الله كثيراً، ويقرون بحكمة وعدالة الحكومة الرشيدة، هذه الرواتب دفعت أغلبهم على ما يبدو للاقتراض من البنوك لأغراض مختلفة، اعتماداً على دخولهم الممتازة التي ستوفر لهم غطاء مريحاً لسداد تلك القروض، فمنهم من اقترض لصيانة منزله، ومنهم من اقترض لشراء سيارة له أو لزوجته أو لأحد أبنائه، ومنهم من اقترض لتأسيس مشروع تجاري، وغيرها من أسباب الاقتراض الأخرى.
لقد فوجئ الإخوة بعد التقاعد أن الرواتب المرتفعة هوت من القمة إلى القاع، حيث صار من كان يتقاضى 45 ألف درهم لا يحصل إلا على 16 ألفاً، ومن كان يتحصل على 50 ألف درهم، أصبح دخله 20 ألفاً وهكذا، وذلك لأنه عندما صدر قرار الراتب الشامل لم يصدر مقابله قانون جديد للتقاعد بل تمت معاملتهم بالقانون القديم “أي على أساس نظام الراتب القديم”، وهؤلاء مواطنون متزوجون ولديهم أبناء بعضهم يدرسون في المرحلة الجامعية، وبعضهم متزوجون ويعيشون معهم في المنزل.
وهكذا وقع هؤلاء في أكثر من مأزق: انخفاض الراتب بصورة كبيرة وما ترتب عليه من مضاعفة الإنفاق والخصومات التي يقوم بها البنك لأغراض سداد قرض السكن، وقرض السيارة، وقروض أخرى كان صاحبها يعتمد فيها على معدل الدخل الكبير ما قبل التقاعد؛ لذا يأمل هؤلاء من المسؤولين وأصحاب القرار النظر في أمرهم بإصدار قانون جديد للتقاعد يتناسب مع الراتب الشامل، حيث سيشكل هذا القانون إنقاذاً لكثيرين تراكمت عليهم ديون كبيرة في ظل ثقافة استهلاكية متفاقمة سيطرت على المجتمع لسنوات طويلة حتى تحولت إلى واحدة من العادات السلبية التي يرزح المجتمع تحت وطأة تأثيراتها الخطيرة، إضافة إلى غلاء المعيشة الذي لا حل له في ظل تصاعد أسعار مستمر لا يجد له رادعاً ولا قانوناً يوقفه عند حده.
ولا شك في أن الدعوة التي يوجهها هؤلاء قد تشكل مخرجاً جيداً فيما إذا رأت الجهات التشريعية ضرورة ماسة تستجلب منفعة عامة تعم على أبناء المجتمع ممن تضرروا من هذا الأمر، ونتمنى بالفعل أن يتم استصدار قانون منصف بحقهم، لكننا في الوقت نفسه نشد على أيدي القائمين على الأمر بشأن قرار المصرف المركزي فيما يخص أسقف القروض وتحديدها بمضاعف محدد للراتب حتى لا يقع الموظف المواطن وغير المواطن ضحية توجهه الاستهلاكي غير الرشيد، والذي يدفعه إلى اقتراضات عالية السقف لتلبية احتياجات أحياناً، وكماليات أحياناً أخرى، تغرقه في بحر من الأزمات المالية.
النقطة الأخرى التي لا بد من التركيز عليها وتسليط الضوء على جوانبها المختلفة، ومن دون توقف أو ملل، هي التوعية فيما يخص الاستهلاك الشره أو السلبي في كل شيء، ومثلما تصلنا رسائل نصية قصيرة بشأن ترشيد استهلاك الكهرباء احتفاء بساعة الأرض، نريد أن يتسلم المواطنون، وباستمرار، رسائل شبيهة تنبه إلى مخاطر الاقتراض وعواقب التوجه الاستهلاكي غير المقنن، خاصة ونحن ضمن هذا العالم المترامي نعبر نفق أزمة اقتصادية توجب علينا ترشيد إنفاقنا والتفكير ملياً في فضيلة الادخار الغائبة عنا بشكل كلي، حتى وإن صرخ البعض متسائلاً: كيف ندخر وسط هذا الغلاء؟ وماذا ندخر مع هذا التآكل في الراتب لصالح قوانين في غير صالحنا؟..
نتمنى أن يشرع قانون لصالح هؤلاء في القريب العاجل.


ayya-222@hotmail.com