هناك فرق جوهري بين المطالبة بالحقوق وبين الفوضى، وما من شيء في السياسة اسمه الفوضى الخلاقة، فهذا المصطلح فضفاض بما فيه الكفاية وحمال أوجه بما يكفي، ومبطن بسوء النية بدرجة لا تصدق، الفوضى فوضى في النهاية وهي عكس النظام والترتيب، حيث لا تسير حياة الناس ولا تنمو المجتمعات ولا يتحقق الاستقرار ولا تجري مصالح الناس وسط الفوضى أبداً، إن التقدم والبناء والاستقرار مرتبطة بالنظام دائماً، حيث النظام سنة الكون والفوضى عارض طارئ ضد الناموس وقوانين الحياة. كيف ومتى تصير الفوضى خلاقة ؟ هنا تتبدى سوء النوايا الدولية والإقليمية، فحين يصير هدف نظام ما دولياً كان أو إقليمياً تحقيق مصالحه بأية طريقة وفرض شروطه وضغوطاته أياً كان الثمن، فإن اختلاق الفوضى يصير بالنسبة لهذه الأنظمة غاية ووسيلة في الوقت نفسه، وعليه فإن خلق الفوضى من العدم، والدفع باتجاهها والإنفاق عليها كي تنمو وتتمظهر بكافة أشكالها يصير طبيعياً للإسراع في تحقيق أهداف الفوضى التي تدمر مجتمعاً كي تبني مصالح مجتمع آخر أو نظام آخر، الفوضى الخلاقة هي في الحقيقة استبدال نظام بنظام بأكثر الأساليب راديكالية وتطرفاً بما في ذلك الدمار وإشاعة الحروب. والفوضى الخلاقة كما يقول علماء السياسة هو مصطلح سياسي يقصد به إفراز حالة سياسية أو إنسانية مستقرة ومريحة بعد مرحلة فوضى متعمدة! وقد ظهر المصطلح بحسب الباحثين في أدبيات الماسونية القديمة وذكره الباحث والكاتب الأميركي دان براون في كتبه المختلفة، إلا أنه لم يطف على السطح إلا بعد الغزو الأميركي للعراق، حينما ورد بشكل واضح في تصريح وزيرة الخارجية الأميركية يومها كوندوليزا رايس في حديث لها أدلت به إلى صحيفة واشنطن بوست الأميركية في شهر نيسان 2005، حيث انتشرت بعض فرق الموت والأعمال التخريبية التي اتهمت بأنها مسيسة من قبل الجيش الأميركي وبعض المليشيات المسلحة التي تؤمن بأن الخلاص سيكون لدى ظهور المهدي المنتظر والذي سوف يظهر بعد حالة من انعدام الأمن والنظام. لقد اختلط الحابل بالنابل وصارت الفوضى عنواناً رئيسياً في السياسة كما في الإعلام والاقتصاد فالعملية مترابطة، وقد بدأت تفسيرات الكثيرين ترجح وجود مخطط واضح باتجاه إحداث هذه الفوضى في الكثير من بلد أنظمة كبرى من تأخر مسألة التشافي أو الخروج منها، مع الأخذ بعين الاعتبار الثروات الهائلة التي يحويها الوطن العربي وبخاصة امتلاكه للنفط عصب الحياة والطاقة للعالم كله وخاصة العالم الصناعي. إن إشاعة الفوضى ليست مدخلاً لوضع اليد على الثروات فقط، لكنها مدخل لضبط إيقاع الوضع السياسي كما يريده البعض، حفاظاً على توازنات ومصالح كبرى، ما يجعل اللجوء الى اختلاق الفوضى تفكيرا بديهيا، فما لم تحققه السياسة ستحققه الفوضى بلا شك طالما كانت هناك خمائر جاهزة تساعد على إشعال الفتن والعنف بين الجماهير كأحزمة الفقر والبطالة بين الشباب، وانعدام العدالة الاجتماعية وتناقص هامش الحريات، وعدم استقلالية القضاء، والفساد و.... الخ. إن إزالة الحواجز والعقبات وسيلة فعالة لتأمين انسيابية السير في أي طريق، وازالة عوامل ومسببات الفوضى وسيلة اكثر فعالية للقفز فوق أصحاب مشروع الفوضى، ان عدم السماح باشتعال الفتيل افضل من تركه يشتعل طويلاً ثم المبادرة الى إطفائه سريعاً وعنيفاً. عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com