يحمل البربري سكينه المسلولة من براثن الجهل ويحاول أن يطعن الوردة في لونها الزاهي خشية من جمالها الذي لا يعرفه؛ لأنه أعمى الروح. والعلاج الناجع للبربر هو تعريفهم بوجود (الكتاب)، هذا النهر العظيم المتدفق من قلب المعرفة هو الوحيد الذي يطهر البشر من ظلام رؤيتهم للطبيعة وجمالها الحقيقي الدفين في الأعماق. وبواسطة الكتاب تحدث الأنبياء جميعا وقالوا كلمة الحقيقة علنا أمام حملة السيوف والقتلة، حتى هدأت موجات الدم وتراجعت عواصف التطاحن الذي امتد إلى الإخوة من بني آدم. ولم يدم مجد أو مثل أو معنى في التاريخ إلا عندما حفظ في (كتاب) ظل يسبح في نهر الزمن إلى أن وصلنا ناصعا مشعا ليكشف لنا كيف قيلت الكلمة في الماضي ومن دفع ثمنها ومن خانها. والكتب تظل برّاقة مثل قطعة من الماس إذا كانت تحمل في بطنها كلمة الصدق وتنحاز إلى مسؤوليتها أمام التاريخ، أما الكتب المزيفة فإن الريح تطويها مع أوراق الخريف المتساقطة من أشجار الزمن ولا يعود يسمع بها أحد. ولا يقدّر الناس نعمة العيش في رغد الكتب العظيمة التي هي أغلى من الذهب. ومن يدمن القراءة يدرك أن الغرق في عالم الكتب يشبه الدخول في مرايا الحرية وملامسة وجهها الناعم اللعوب، فالزمان يتلاشى بين الأغلفة ويتقطع إلى أجزاء صغيرة قابلة للهضم والاستيعاب، والأماكن والمدن المتباعدة في الأرض تتجاور في السطر الواحد، وفي الكتب قد يعيش المرء أحيانا حياة أخرى يتقمص فيها دور بطل أسطوري يحلق بحصانه في مدى الانتصارات الوهمية، وقد يتحول إلى رجل عظيم من أولئك الذين خلدتهم كتب السير. أما الشعر فهو كتاب العجب الدائم وأصل الكتب الأولى التي فسرت بها البشرية حكايات نشوء الكون لدى أمم كثيرة سردت كل منها أسطورتها القديمة ودونتها في الكتب الملحمية الخالدة التي حتى اليوم تعد واجبا على بعض الشعوب في قراءتها وتعليمها للأجيال وتحليل مضامينها، لأنها تعطي الصورة الحقيقة لأبناء هذه الأرض أو تلك، ولغتهم وطريقة تفكيرهم وفهمهم للحياة والطبيعة والوجود. اليوم حين يعبر الإنسان من معرض كتاب إلى آخر ويرى ملايين العناوين مفروشة أمام عقله الحائر، فإنه يدرك أن المعرفة أصبحت جبلا عاليا من الكتب يصعب حملها على الظهر، ويصعب أيضا تسلقه والجلوس على قمته البعيدة. ولو قدّر لرجال الحكمة تصنيف الناس لاحتكموا إلى مستوى درجاتهم ومواقعهم في تسلق هذا الجبل العظيم، بدلا من الاحتكام إلى النسب أو الطائفة أو العرق. وقد يرى الحكماء أيضا أن الواقع هو صورة مشوهة دائما لمن يرغب في قراءة الجمال والتلذذ بمعانقة المعنى، وأن الحياة الحقيقة التي نحلم بها ولكن لم نرها قط، موجودة في الكتب الرائعة التي يخلفها لنا عشاق الكلمة ومبدعيها في كل العالم. akhozam@yahoo.com