قبل مدة حينما كان يتراءى لنا في المنام مشهد موقف فارغ في العاصمة نصبح ونحن منشرحين ونبتسم ونقول: الله بيفرج علينا هم هذا اليوم، اليوم حينما نحلم بموقف فارغ، وبفريق الكشافة والجوالة الذين يحوطون حوله ممسكين بدفاترهم وكاميراتهم نفز، وكأن “ياثوم” برك على صدورنا، ونظل نتعوذ من سكنة الأراضين السبع، ونقول: اللهم ألطف بحالنا، لقد صارت المواقف أكثر حزماً، وتستفزنا عيني عينك إلا أننا لا نستطيع أن نحرك ساكناً تجاهها، وغدت السيارات أكثر انضباطاً وكأنها في صف عسكري، تضع كل واحدة على صدرها إشارة التوقف بالساعة الرقمية، وتحاول قدر الإمكان أن تطرق بعينيها خجلاً وفرقاً إذا ما مر بجانبها رقيب وحسيب يحصي عليها دقائقها وثوانيها أو يغافلها في لحظات مخالفتها، ويطلب منها أن تلفظ “جييز” استعداداً للتصوير في وضعية المبتسم، ساعتها تترحم على سيارة النجدة أو الشرطي ذي الدراجة المتسامحين.
فرقة الكشافة والجوالة يستمتعون وهم يصورون السيارات غير الملتزمة بالوقوف أمام الخط الأزرق في وضعياتها المختلفة، ويتفنون في تكبير وتضخيم الأرقام خاصة “المنقّعة”، رافضاً مبدأ التسامح والمعاملة الرضية، فهو يمكن أن يشخطك بمخالفة وأنت ذاهب تبحث عن فكة نقود من عند البقال أو آت تلهث لتعبئ ورقة الموقف التي انتهت منذ دقائق أو تتفكر كيف انتهت البطاقة أم مائة درهم في يومين وأنت لم تستعمل منها إلا ربعها أو كنت تبحث عن ذلك الصندوق الأزرق الذي يشبه جابي المكوس والضرائب، وحيت تغضب وتدخل في مناقشة معه يطلب منك بكل أدب: أن تثبت ذلك حين المراجعة، وسيلغونها عنك، ولما يتطاير شرر من عينيك، متسائلاً عن وقت الناس وتضييعه في المراجعات غير ذات الجدوى، يبتسم ويقول لك: ما في مشكلة، كل شيء ينحل بسهولة، لا تخلي مخالفة بسيطة تعصب بك، ويطوف أمام عينيك نوط بو خمسمائة أزرق، وتتابعه كريشة يداعبها الهواء، وتلحظها فجأة تندس في الصندوق الأزرق، فتشعر أن أحداً سرقك أو مرط من جيبك مبلغاً تعبت فيه، مثلما تلك العائلات الآتية من عجمان لتقضي إجازتها الأسبوعية، فأوقفوا سياراتهم بعد الحادية عشرة ليلاً على الكورنيش، ولما عادوا بعد ساعتين وجدوا على كل سيارة من السيارات الخمس ورقة زرقاء تطلب منهم نوطاً أزرق، فظهرت عليهم تلك “الكشته” الليلية بـ 2500، وليتهم قضوها في مطعم راق، وليس على العشب الأخضر المبتل.
عندي اقتراح.. الواحد منا بدلاً ما يدفع مخالفات المواقف الحازمة، والتي تصل أكثر من مشاهرة “الدريول”، يحضر واحداً جديداً خاصاً للمواقف الحرجة ليتجنب المخالفات، بس لا يقولون لنا بعدين: والله تركيبة سكانية!



amood8@yahoo.com