في أقسام الإعلام وكليات الاتصال المختلفة بالدولة يشير الطلاب إلى ظاهرة إعلامية إماراتية بامتياز، بمعنى أنها لا تكاد تعرف في مكان أو دولة أخرى، إنها ظاهرة التلفزيونات أو القنوات المخصصة لطرح الوجه المحلي في الإمارات، لتناول قضايا الهوية الإماراتية، والشخصية الإماراتية، تفاصيل الحياة والثقافة، والتوجه الإماراتي، نلحظ ذلك في قناة الإمارات وقناة سما دبي، ونور دبي، وربما في قنوات أخرى خاصة، وهنا يطرح السؤال: حول الأهداف التي تحققها هذه القنوات وهل هذا الفصل بين القناة العامة التي تقدم كل شيء يتعلق بالخارج وبين القناة التي تقدم الوجه المحلي الداخلي يخدم الرسالة والغايات الإعلامية فعلاً؟
يشعر المشاهد بأن هناك إعلامين، إعلام للمشاهد الإماراتي يخاطبه بطريقة وبمضامين وإشارات وخطاب إعلامي ثقافي اجتماعي مختلف عن الآخر الذي يخاطب الخارج أو المشاهد العربي المقيم، حتى صار كل ماله علاقة بالإمارات يحال مباشرة للقناة المحلية أو الشعبية (إذا جاز التعبير)، وكأن الإمارات لا يمكن أن تظهر بكامل شخصيتها ضمن الفضاء الآخر المحجوز للخارج بكل ما يعنيه ذلك من مرادفات، حيث نجد أغلب الذين يظهرون على الشاشة الأولى غير مواطنين، والبرامج أغلبها تروج منتجاً إعلامياً يخاطب مشاهداً آخر في مكان ما من العالم، أما الإماراتي فقناته محجوزة وخطابه مبسط جداً لا يعدو برامج اليوله وسوق الأسهم وما يطلبه المشاهدون ونشرة أخبار ومسلسل خليجي... الخ.
ماذا يفهم من هذا كله؟ هل هذا يعني أن المشاهد أو المتابع الإماراتي لا علاقة له بمجريات الأحداث في العالم؟ لا يتابع السياسة العالمية ولا يهتم بالثقافة الإنسانية، ولا يمكنه إدارة حوار سياسي فائق الجودة والحساسية بإتقان وشطارة؟ أم أن المنتج الثقافي الإماراتي لا يصل إلى مستوى تقديمه للخارج كخطاب مبني على حرفية عالية ومضامين إقناع وجذب وإبهار قوية؟ بصراحة شديدة هناك التباس كبير يقع فيه الكثيرون في ما يتعلق بهذا العزل الشبيه بالعنصري بين القناة العامة التي تقدم خطاباً ومضامين إعلامية تختلف كثيراً عن القناة الشعبية التي تقدم خطاباً آخر مغايراً للأول في معظم التفاصيل، بحيث لا يتقاطع معه إلا نادراً وكأننا نبث إعلاماً ينتمي لقارتين أو نظامين مختلفين!
ليس هناك سوء نية في الأمر، لكن الفكرة في حد ذاتها تبدو غريبة، فلا هي تنتمي لتوجه الإعلام المتخصص، ولا هي لها علاقة بتقنيات البث الفضائي والأرضي، فالإعلام المتخصص الذي يفرز قنوات متعددة للأطفال وللأسرة وللأغاني وللدراما وللطبخ و... الخ أصبح ظاهرة معروفة ومقننة ومتناغمة مع توجهات الخصخصة والسوق والإعلان وطبيعة اهتمامات المشاهد، وكذلك تقنيات البث، لكن ما يحدث عندنا يحتاج إلى مراجعة حقيقية للظاهرة لبلورة إطار إعلامي صحيح وسوي، وفي الوقت نفسه لا يسهم أكثر في تنميط صورة المواطن الإماراتي ذي الاهتمامات والنزعات المحدودة والمحددة.


ayya-222@hotmail.com