سائقو الأجرة وسياراتهم عالم كبير من الصدق والكذب ومعرفة مشاعر الناس وأحوال الحياة، والزائر للمدن أول ما يتعرف عليهم، وهم يختلفون ومرات يتشابهون، فسائق الأجرة المكتئب في عمّان والذي لو تعطّلت سيارته لقال إنك السبب، ولو تفادى حادثاً في الطريق لقال كفانا الله شر من ركب، تجده يلعن النسوان العابرات الطريق، وفوق كل هذا يلحق السيجارة بالسيجارة، وغير حليق الذقن لدرجة الاستفزاز، يختلف هذا عن السائق المرح في إيطاليا والذي يمكن أن يحدثك عن صديقته ليلة السبت، وعن أجمل مطعم يمكن أن يستضيف عاشقين، ويختلف عنهما السائق الألماني المتجهم والذي لا يصدق متى يوصلك مكانك ليأخذ أجرته بحيث لا يمكن أن يترك لك فرصة لكي تنطبع صورته في ذاكرتك، ويختلف عنهم السائق اللبناني النصّاب الحنّان الذي بدأ بتحطيم أضلع زوجته من أول طريق المطار، وأعمى أمه في منتصف طريق “الزلقا”، وعطّل واحدة من كليتيه قبل أن يصعد بك طريق الجبل، ولو كان طريقك “ظهر البيدر” لكان قبل وصولكما قد خسر اثنين من أبنائه، أما الذي يختلف عنهم جميعاً فهو السائق المصري الفهلوي الذي بإمكانه أن يبيع كل شيء لك وبرخص التراب، يمكن أن ينصحك إن كنت مستثمراً، ويعرفك بتجّار القطن إن كنت تاجراً، ويمكن أن يوفّر لك صنفاً جيداً إن كنت محششاً.? في اليابان يلبسون القفازات، ويفتحون لك الباب وأجرتهم عالية وغالية جداً، لكنهم لا يطلبون بقشيشاً، ولا يشتكون من أمراض عربية مزمنة، ولا يمكن أن يصادفك دون أن يكون حليقاً نظيفاً، في بلاد العرب أوطاني وتركيا يقول لك السيارة على حسابك أو ادفع اللي تدفعه أو خليها علينا، فلا إن خليتها عليه رضي، ولا إن دفعت له ما جادت به نفسك قبل.
السائقات يتصرفن في حدود أكثر من الأدب في الفلبين والنمسا وألمانيا وفرنسا، لكن العجائز منهن يظللن لا تعجبهن الحياة ولا أمور الدنيا ولا الضرائب ولا أصحاب البشرة السمراء والتي تحتاط عنهم بركوب كلبها الـ”ولف” في المقعد الأمامي، ويظل طوال الطريق يشخص لك بعينيه.
السائق الإنجليزي كان في منتهى اللطف والأدب، اليوم سطا على مهنته أناس كثيرون وأصبح متبرماً حانقاً وغير متسامح مثلما كان زمان، السائق الفرنسي دائماً متذمراً، ودائماً غير راض عن زوجته، المسبةّ على طرف لسانه حتى ولو كحّ أو غصّ ببلغم، وإن سمع مغربياً شاباً في سيارته الصغيرة مشغلاً أغنية “الراي” فيومه نكد ونهاره حسد، وسيلعن الغرباء الذين يجبرونه أن يسير طويلاً، ويتحمل ثقلهم وأثقالهم، أما أظرف سائق أجرة فكان تونسياً مثقفاً تبادلت معه أحاديث في الثقافة، وحين أوصلني المطار رفض أن يأخذ أجرة، قائلاً: “عمّرت رأسي” بشيء جميل، وهذا يكفي!?


amood8@yahoo.com