في لحظات انتهت مدينة من على وجه الأرض، تحرك موقع الكرة الأرضية، انخفظ وقت النهار، أبيدت حكايات وسوت قصص بالماء، قصص فيها من الحب ومن الحزن ومن الفرح ومن الشوق، الكثير، محبة ترقى على مستوى الكره، وفرح يعانق بهجة النهار والليل، فرح في قلب الأطفال وقلوب العجائز والعشاق، تزعزعت يوم الجمعة الماضي المشاعر البشرية وتسيد الألم والحزن كل القلوب على وجه الأرض، فحدث اليابان جلل، حيث لم يبق قاع البحر وماؤه الثائر بجنون على أي شيء من تفاصيل الحياة، مناطق سكنية اختفت وقلوب أفزعت، وعيون بكت وروح تعذبت وأرواح أزهقت وأجساد تاهت بين الطين وبين الحجر، بين الخشب والحديد، بين كل ماخلفته تلك الكارثة من معنى حقيقي للكارثة الطبيعية. في مثل هكذا كوارث غير معقولة وغير متوقعة على الاطلاق، كوارث تفوق قدرة الإنسان على التدمير، نتساءل ما بال الطبيعة لا تنفك من إعلان حربها على الإنسان؟ نتساءل هل هي تملك الادراك لما تخلفه من فعل تدميري بامتياز من خلال عواصفها وزلازلها ووحوشها وصواعقها؟ هل تدرك ذلك وأنها تحتج بهذا الخراب الذي تحدثه على فعل الإنسان الذي لم ينفك هو ايضا من أن يعتدي عليها بكل السبل والطرق والوسائل؟ هل تدرك الطبيعة ذلك؟ منذ الإنسان الأول كان الفعل البشري يذهب لاستغلال الطبيعة وليس التماهي معها كجزء من الكل، فمن خوفه من الحيوان حطم الأشجار واشعل النار كي يحمي نفسه من الوحوش ومن برودة الطقس، حطم الأشجار كي يحمي نفسه في كوخ ثم في بيت وتوالت الحاجات وكانت الطبيعة هي مصدر تلبية مجمل حاجاته حتى يومنا هذا، حتى بلوغه كل هذا التحديث والتطور في الحياة البشرية من علم واقتصاد ورياضة وسياسة وثقافة وتكنولوجيا غيرت وجه الأرض تماما. رغم كل الحاجة للطبيعة ظل الإنسان يخاف منها وحاول ومازال يحترس من تبدلاتها، إلا أن تبدلاتها وثوراتها تفوق القدرة البشرية لاتقائها. لكن في المنطق العقلي لا نستطيع أن نوقف حاجاتنا من الطبيعة، لا نستطيع أن نجعلها مسالمة معنا، فنحن لا ندرك هل تقوم الطبيعة بفعلها التدميري بإدراك، أم أن تدميرها هو فعل عشوائي يعود إلى ضرورات التغيير والتبديل الذي تعبر عنه بكل هذه القوة الهائلة. ويأتي الفعل الإنساني الذي نشهده على الكرة الأرضية من أجل التغيير والتبديل متصارع مع نفسه أي أن إرادة الإنسان أو الإنسان ذاته غير منسجم مع نفسه، ولذلك نشهد كل الخراب البشري على الأرض بين مد وجزر، صراع بين الطغاة وشعوبهم، صراع بين السلطة والرغبات الشعبية، بين القهر والحرية، بين الشعوب والشعوب.. إنه صراع دائم لا يمكن أن يصل إلى الانسجام كما الانسجام في الطبيعة الذي لا نستطيع أن نجاريه على الإطلاق. هنا وفي هذه اللحظة التي نحزن فيها من أجل كل اليابانيين بسبب قصص الموت والدمار التي أحدثتها الطبيعة، ندرك أن الإنسان الياباني صاحب الإرادة الصلبة الإرادة التي لا تلين، سوف يعبر على كل ما حدث وسيعيد مشهد الحياة إلى دورة الزمن، سيرفع الذكريات من على الماء ويودعها صفحات التاريخ، سوف يرفع الألم من على الماء ويحلق مع الطيور التي نجت. saadjumah@hotmail.com