ينتمي الكاتب شاكر خصباك (بابل 1930 ـ) إلى جيل الخمسينيات القصصي الذي انتعشت بأعماله السردية ـ قصصية وروائية ومسرحية ـ النزعة الواقعية في العراق، وشاع السرد الذي كان متوقفاً عند مرحلة الريادة والبواكير ـ محمود احمد السيد خاصة ـ ما أتاح هيمنة الشعر بتجديد الرواد السياب ونازك والبياتي من بعدهما على المشهد الثقافي العراقي. لقد كان خصباك وزملاؤه ـ مثل فؤاد التكرلي وعبدالملك نوري وغائب طعمه فرمان ومهدي عيسى الصقر وأنور شاؤول وجعفر الخليلي وذو النون أيوب ـ يملأون الفراغ السردي، ويمثلون الاتجاه الواقعي المطوّر الذي شجّع على انتشاره وغذّاه بالموضوعات والأساليب المناخُ السياسي المعارض للملكية في العراق، والشاهد على الثورة وقيام الجمهورية أواخر الخمسينيات. كان الاستمداد المرجعي للكتّاب يتلخص في الأعمال ذات الطابع الثوري والداعية للتغيير والالتصاق بقضايا الجماهير والطبقات المسحوقة، وهو ما ظل الشغل الشاغل لشاكر خصباك حتى آخر أعماله (رواية “حكايا سوق” 2010) ومنذ بواكيره المبكرة وكتابه عن تشيخوف، وحماسته للمسرح لرغبته كما يقول في إيصال أفكاره للقراء على نحو مباشر يتيحه الأدب المسرحي دون سواه، مع ملاحظة تأثره بمناخات السرد في مصر التي درس فيها أربعينيات القرن الماضي، وسجّل في ذكرياته الأدبية تفاصيل معايشته لكتابات روائيي مصر وقصاصيها تلك الفترة. في الرواية الأخيرة يعثر ابن مؤلف متوفى على مخطوطة دون فيها والده تفاصيل انعكاس الأمر الحكومي بتهديم سوق شعبي، هو سوق الهرج، على شخصيات السوق وتصريحاتهم بصدد التصاقهم بالسوق، الذي يغدو رمزيا دالا على الحياة والمجتمع أيضا، بتعدد طبائع أشخاصه وأفكارهم، وزيادة في الجرعة الواقعية يؤثث خصباك عمله بمستلزمات تمثيل الواقع بدءا بالتسميات الشعبية للأشخاص حتى مشاعرهم و إدراكهم، وصراعاتهم الدقيقة، وإخلاصهم لأفكارهم التقدمية، وحبهم لبعضهم كمقياس لتمييز طبائعهم والحكم عليها، وموقفهم من المرأة ذات الحضور اللافت في أعمال خصباك كعنصر مهم لتعيين المصائر والنهايات. وإذا كان خصباك يرفض في لقاءاته وكتاباته تجييله خمسينيا وتصنيفه واقعيا، فإن ذلك لا يعفي القراءة من التقاط مؤشرات هذين الأمرين المهمين في رصد حركة السرد العراقي واتجاهات الكتابة، ودورهما في فهم الفكر والأسلوب في أعمال شاكر خصباك الذي قلنا مرة إنه يعاني جحودا غريبا في إطار النقد السردي العراقي والعربي رغم ما قدّمه عبر سنوات كفاحه الأدبي من عشرات الأعمال المسرحية التي بدأها بـ”بيت الزوجية” عام 1962، وأتبعها بأعمال جريئة كمسرحية “الشيء” 1966، و”الغرباء واللص” 1966، و”الدكتاتور” وسواها من مسرحيات لاحقة زمنيا، فضلا عن مجاميعه القصصية كعهد جديد وصراع وحياة قاسية، ورواياته: “الهوية” و”امرأة ضائعة” و”السؤال” و”حكايات من بلدنا” وغيرها من أعماله ذات الطابع التحرري فكرا والملتزمة أسلوبا بما هو مباشر وواضح ومفهوم لجمهور القراء والتي تنبئ عناوينها بما تحمل من هموم اجتماعية كرّس خصباك حياته لمعالجتها.