رؤية الحياة عبر سياقات الاختلافات المتعددة، لا تتم إلا عبر رؤية الشعوب، لذا فكثيرا ما يوحي الأمر بتمتع من حيث الغرائبية الماثلة والخيالات المؤثرة سواء من وحي اقتباس الرؤية المتجددة أو من حيث خصوبة الشعوب في ثقافتها وفي أفكارها. فمهما تتوارى الرؤية تحت ظلال قائمة من الأحداث المتغيرة والمتنافرة أو المتكررة، لكنها دائما ما تنشد التحرر وتكابر على بعضها في التحدي، ولديها فواصل من التناغم ما بين رؤى الحياة ومنظارها القريب/ البعيد. أيام قلائل مضت، على ثورات بعض الشعوب العربية على بعض الأنظمة، حتى بدا بعضها ضعيفا يتعرى أمام الملأ، ويخسر هيبته وسلطته التي ثبتها طيلة أعوام، إلا ان تداعيات إعلامية وتكنولوجية جاءت هذه المرة ملهمة للشعوب وسريعة في أثرها على السلطة تهز ركائزها وتدفع بها بعيدا. ولا ننسى بأن الطبيعة أيضا رأت أن تثور على نفسها لتحقق الانتصار على مكانتها وتجليها، وحسبها الحب الكبير والمدى البعيد، وهناك ثورات وانهيارات قادمة لا محالة، وتوترات، ربما تنسج عدوها من العدم، أو تنحو باتجاه ثورة غير مألوفة.. ثورة الفقراء والجياع والمحرومين والمعدومين، ثورة التكنولوجيا ربما على مقتنيات الجدات القديمة. فسلم القيم والمبادئ يتناسل من أنفاس الحياة ليفقس حياة ساخنة ومختلفة عما سبق من تداول مثقل بالتبعية العمياء. فجاءت الثورات لكي تقول كلمتها، وكأنه حان الوقت لدق ناقوس التغيير. في تونس، ثم مصر، رحل النظام وبقي الشعب في دوامة الانتصار، يجتر نشوة الفرح على مرأى من الفراغ السياسي المتغير على نحو كبير.. تداخل الفراغ غير المتوقع مع حضور الشعب، وتمازج السلاح والسلطة مع الثورة، فبدا وكأن الثورة تملأ الفراغ الذي خلفه النظام لسنوات طوال. إنه التحدي المشبع بالتناقض وفقد الثقة في الآتي الذي بات مكشوفا. ودائما هي الثورات الشعبوية وليدة ثقافات اليأس من الحوارات المتبادلة، ونتاج لسناريوات الكبت والذل والهمجية في التعامل، ونتاج الهيمنة المفرطة على ثروات الشعوب، نتاج التعامل على ان الشعوب أداة في يد السلطة، تعجنها مثلما تود وتحركها على نحو التجليات السياسية المتغيرة. ربما ما اضطر الشعب إلى الخوض في تجربة الثورة لو تغاضى عن بعض كرامته المفقودة، وربما ما عنت له السلطة المباشرة شيئا لو أتيح له المشاركة في اتخاذ القرار ولو بشكل جزئي. لكن الثورة جاءت لكي تفصح بأن الشعوب ليست قيد الاستسلام التام، وليست في سبات عميق متصلب، بل إنها قادرة على أن تحدث ثورتها وتنشط على مدارات مختلفة. المتغير القادم والمتجدد يرتكز على سعي حثيث نحو تطور مفاهيم الحياة.. وهي من أكثر المفاهيم تعقيدا إذا ما خضعت إلى المعرفة المسبقة أو إلى الحالة الفلسفية، واقترنت برؤية دائما عمادها التأمل والفحص الدائم لمكامنها الثقافية المختلفة، بعد أن أثارت كثيرا من الفجوات وبعد أن طمست أرضية صلبة كانت لها مزالقها الصعبة.