عندما تجد شاباً في ريعان شبابه يعاني من السكر أو ضغط الدم، تتذكر الغذاء والسلوكيات والنشاط الذي يقوم به هذا الشخص..
أمراض كثيرة سببها نفسي وبعضها يجمع بين الاثنين، أي النفسي والبدني، ومنها السكري وضغط الدم.. الشحوم واللحوم والمواد الدسمة والنشويات والسكريات التي تتكدس في هذا الجسد دون ما تجد من يحركها ويحرقها ويجعلها طاقة فعالة تفيد الجسم في بنائه وارتقائه وتساعده على مقاومة الأمراض والعلل.
اليوم كل شيء يعمل بالريموت، وإن لم يفعل الريموت فإن الأيدي البشرية وأقدامها تقوم مقام هذا الجهاز الآلي، فلا أحد يحرك ساكناً دون أن يشير بالبنان إلى خادمة أو خادم ليقدم الطلبات حتى ولو كانت نقل فنجان قهوة من مكانه على الطاولة إلى مكان آخر.. الخادم يتحرك بنشاط، ويبتسم موارباً سخريته من هذا الجالس كالتمثال، ويوزع الأوامر تلو الأوامر، ولكنه يبطن تحت السخرية تهديداً قائلاً للآمر الناهي: سوف تدفع ثمن هذه الغطرسة قريباً.. وبالفعل فعندما يكشف المسح الصحي في دبي أن نسبة الإصابة بالسكري بلغت 30% والضغط 39%، فهذا ينذر بأخطار رهيبة تهدد المجتمع، أخطار سببها الإنسان نفسه، وسلوكياته وأخلاقه وثقافته الغذائية، وعاداته التي أصبحت وبالاً عليه.. ولا غريب أن نسمع عن قريب أن نسبة كبيرة من أطفالنا يعانون من هذين المرضين الفتاكين، لأن الأطفال بدأوا يحذون حذو الآباء والأمهات، وصاروا لا يعرفون الحركة إلا في بحلقة العيون أمام شاشات التليفزيون، أو لمشاهدة المسلسلات ذات الملاحم الطويلة العريضة وبلا معنى، أو أنهم مشغولون “في البلاي ستيشن”، فلا حركة لبدن ولا ذهن، وهذا الجسم الذي صارت تنهكه المشروبات الغازية والأكلات السريعة والتي تخمر فيها الدهن لساعات وأيام يصبح أمام مرمى إصابات هذين المرضين.
نقول الأطفال أكثر عرضة لأنهم يمارسون حياة غير عادية، ومخالفة للفطرة ومعادية للصحة، أطفالنا يعانون من غياب الوعي الغذائي وفوات أوان الحركة البدنية، ما يجعل هذا الجسم يقف عاجزاً عن مقاومة الأمراض والعلل، لأن المقاومة ضعيفة والوعي أضعف.. الأرقام التي تطرحها المؤسسات الصحية مذهلة ومخيفة، وكل ما نتمناه ألا تذوب هذه الأرقام على صفائح الضغط العام وتنسى دون أن تؤخذ بعين الاعتبار، ونتمنى أن تصبح الحركة ضد القيم السلوكية البالية مشمولة بأجندات علمية محمولة على أوعية تقودها بصرامة وحسم من أجل صحة أبنائنا، ومن أجل وطن لا يعاني ثلث سكانه من أخطر الأمراض وأكثرها فتكاً بحياة الإنسان. هذه الأرقام يجب أن توضع في حسابات الناس، كما هي في أرصدة الأجهزة المختصة التي يجب أن تبادر في وضع الخيارات الصحية المقاومة للمرضين.

علي أبو الريش | marafea@emi.ae