افتقدت جارات الوالدة العجائز الطيبات ولم أسمع منهن أو أجالسهن منذ فترة طويلة، فقررت في نهاية الأسبوع الماضي أن أذهب إليهن إن لم يأتين غير أن الخبر تسرب إليهن وكأن لديهن جواسيس وعملاء في كل مكان فتجدهن على اطلاع بأمور «الفريج»، وما يدور في المنازل من أمور وأسرار عائلية لدرجة أنه لم يعد في البيوت أسرار كما يقولون.. غير أن الأمر لم يعد غريبا بل وصار مقبولا لأننا في زمن الإعلام والاتصالات الفضائية التي جعلت كل شيء يظهر على السطح فلم تعد هناك خصوصية في كثير من الأحيان، فالسيد «جوجل» جزاه الله خير يصور لك تفاصيل منزلك ويضعها على الانترنت مشاعة لمن أراد الاطلاع، الله أعلم ماذا يمكن أن يصور من تفاصيل داخل المنزل، أضف إلى ذلك تلصص الجيران الذي إن نجوت منه فلن تنجو من تلصص قراصنة «السايبر» والهواتف الذكية وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة والإعلام الجديد.. عموما جاءت العجائز مشحونات عاطفيا تجاه ما يحدث في الشارع العربي، كل واحدة منهن لديها تحليل سياسي واجتماعي لما يحدث من ثورات ومطالبات لدرجة أنني خشيت أن يتحول مجلسنا إلى ما يشبه برنامج الاتجاه المعاكس، بعد أن سادت الخلافات والتفاسير وكل يدافع عن نظريته وتحليله للأمور ويرسم سيناريوهات لما سيحدث.. وكيف وصلت الاحتجاجات إلى الصين وأميركا بسبب شاب عاشق يدعى «الفيسبوك» الله يحميه تمكن من جمع وتنظيم الأتباع وتحول الحديث عنه وعن شجاعته وثورته وذكائه العظيم، ثم عن نشأته وحياته، بل إن واحدة قالت إنها تعرف أمه وأنه يحب فتاة فائقة الجمال من عائلة ثرية وهو شاب معدم ولم يوافق والدها على تزويجه منها، لأنه ليس كفؤا لها لا اجتماعيا ولا ماليا وطلب منه مهرا تعجيزيا حتى يوافق وكان ذلك هو الشرارة التي خلقت لديه هذه الزعامة الثورية.. واختلفت هي ورفيقتها فالأخرى تقول إنه أصلا مغن عاشق مشهور لدرجة أنهم يسمونه «الملك» لحبهم له، فعرفت أنها تقصد (ألفيس بريسلي) ملك «البوب» الشهير، ولم أتمكن من كتم ضحكتي وقلت إن الجهل نعمة لأنني كنت أعتقد أنه مجرد موقع اجتماعي للتواصل في الفضاء الافتراضي وهو ما أظهرني أمامهن بصورة الذي تخلف عن الركب وعن معرفة آخر المستجدات، واعتذرت لانشغالي عن متابعة الأخبار بواجباتي اليومية التي لا تنتهي ولعنت الوظيفة التي تشغلني عن متابعة مسلسلات ودراما الشارع العربي المحتدمة بالصورة التي صورن. amal.almehairi@admedia.ae