حين يتشبث الزعيم أو الرئيس بمقعده كحاكم لشعب لا يريده، فإن العلاقة بينه وبين شعبه قد وصلت لطريق مسدود تماماً حيث الشعب قد نفد مخزون صبره وفقد قدرته على الاستمرار معه، أما الحاكم فقد فقد شرعيته وهيبته على اعتبار أن الحكم - كل الحكم - ليس سوى: شرعية وهيبة، والغريب والعجيب حين يصر الزعيم على أن يستمر رغم أنف الشعب، راقصاً على جثثهم ودمائهم وأرواح أطفالهم ثم يدعي أن الشعب يحبه بالرغم من أن هذا الشعب غير مرئي في نظره فهو لا شيء أصلاً، فحتى المظاهرات التي تهتف بسقوطه يفسرها بأنه مظاهرات تأييد لشعب لا يمكنه تصور الحياة بدونه، وهو لا يرى الحقيقة لا يريد أن يصدق الإعلام لأن الإعلام - من وجهة نظره - يزور الصورة ويقلب الحقائق لا أكثر !
ليس الحاكم المصاب بجنون العظمة فقط من يعيش هذا الوهم وإنما كثير من المسؤولين وكبار السياسيين ومدراء المؤسسات و.. يعيشون وهم المجد والعظمة الأبدية، حيث لطول بقائهم في السلطة لا يمكنهم تصور الحياة بعيداً عنها وعن الأضواء والحشود والمرافقين والمنافقين ومظاهر العظمة المرسومة والزائفة، هؤلاء الناس يعتقدون أن وجودهم لا معنى له بعيداً عن هذا كله، ولذلك فإنهم يتلونون ويقفزون من كرسي الى الآخر ومن واجهة الى أخرى حفاظاً على التواجد في منطقة السلطة والأضواء.
هذه حالة من العمى السياسي والعمى السياسي مرحلة متقدمة من الديكتاتورية ومنهجية التسلط، وهو حالة أو مرض لا حل له على الإطلاق، ولذلك فمن الطبيعي أن يخرج الحاكم الذي لا يرى شيئاً سوى نفسه وعظمته ليقول لشعبه الثائر ضده: أنا المجد وصمام الأمان، وركيزة الاستقرار و.... فمن أنتم ؟ انكم لا شيء تماماً، هذا نموذج للحكم قل أن يعبر المشهد السياسي والذاكرة الإنسانية العامة، من انتم ايها المحتجون، انكم لا شيء، انها عبارة تشبه القذيفة التي تخترق اللحم وتفتته في غمضة عين !!
الغريب ليس منطق السياسي المتشبث بسلطته والذي لا حل له سوى هذا التشبث والدفاع المستميت وفق منطق أكون أو لا أكون، لكن الغريب في الذين يدافعون عن منطق الطغيان حتى الرمق الأخير، سواء كان هؤلاء إعلاميين أو سياسيين أو بائعي خضار وفواكه، أو حتى مثقفين وتكنوقراط، والغريب حين يتحول بعض المثقفين والصحفيين والكتاب الى نموذج مصغر للطاغية يعتقدون ان الثقافة منصب أبدي حصري لهم، وأن قربهم أو بعدهم من بعض الأشخاص يمنحهم الحصانة والحماية ليصولوا ويجولوا فتكاً بقيم الثقافة ومصائر المساكين الذين أوقعهم القدر تحت رئاستهم!!
هذه النماذج ليست غريبة أو شاذة بحد ذاتها، فهي موجودة وقديمة قدم وجود الإنسان، لكن الإنسان يتطور ويرتقي ويدفع ملايين البشر ثمناً لتحرره ورقيه وحقوقه وانعتاقه من الانحطاط والأفكار الرديئة، هذه النماذج كنموذج الطاغية لا يمكنه أن يتخلق ويترعرع ويمارس توحشه الا في بيئات العالم الثالث التي تفتقد آليات المراقبة والمحاسبة والوصول للمناصب وفق شرط الأفضلية.. نحتاج ثورات تعيد صيغة الواقع العربي الثقافي والإداري والـ..... وليس السياسي فقط ؟.


ayya-222@hotmail.com