مع هذا التسارع الحياتي في كل المجالات، واختلاط الحابل بالنابل، بحيث لم يعد يُعرَف الصديق من العدو، فتسمع من قصص انحطاط الأخلاق ما لا يصدق، وما لا يخطر على بال بشر، على الرغم من النعم التي نعيش فيها والتي لم نكن نتصور يوماً أن تصل إلينا ونعيش فيها ونتنعم بها، وقد كانت منذ أمد قريب أحلاماً. من الناس من يفرح بفشلك ويحزن لنجاحك، وما أن تهوي حتى تهوي معاول على رأسك، يزيدونك مصيبة إلى مصيبتك، هؤلاء موجودون في كل الأوساط، وكل الأماكن، إن أُنهيت خدماتك لأي سبب في الوظيفة، فرحوا وكالوا لك من التهم ما يجعلك سبب الفساد في العالم، فيصورونك مختلساً، أو غير كفء لعملك، وفاشلاً فيه، وأنك أتيت وتوظفت بـ «فيتامين واو»، ولم تقم يوماً بعملك، وجاء وقت كشف حقيقتك، وما أشد فرحهم بمصيبتك! نسمع قصص الشامتين في كل المجالات، خاصة في الفن، الذي يعتمد على التنافس الشريف، ولكنه أصبح يعتمد على التنافس غير الشريف أحياناً. قد نكون على خلاف مع بعض الإخوة، أو الأصدقاء، أو الجيران، أو الزملاء في العمل، ولكن في حال وقوع أحد منا في مصيبة، أو نكبة، من مرض أو خسارة في تجارة، أو موت، فإننا، كبشر نتمتع بالإنسانية، سرعان ما تتلاشى الخلافات، والاختلافات. بعض الناس لا يكتفي بالحياد حين وقوعنا في مصيبة، أو كربة، بل يفرح بذلك، وهؤلاء الشامتون مرضى باللؤم. وقد وصف العرب من يشمت بمصيبة غيره باللئيم، ويقال عند العرب «الشَّماتةُ لؤم»، وقاله أكثم بن صيفي التميمي، أي لا يفرح بنكبة الإنسان إلا من لَؤُم أصله. وقال العلاء بن قرضة: إذا ما الدهرُ جرَّ على أُناسٍ حوادثه أناخ بآخرينا فقُلْ للشامتين بنا أفيقوا سيلقَى الشامتون كما لقينا وفي حديث أيوب عليه السلام أنه لما خرج من البلاء الذي كان فيه قيل له: أي شيء كان أشدَّ عليك من جملة ما مرَّ بك؟ قال: شماتة الأعداء. ولعبد الله بن أبي عتبة: كل المصائبِ قد تمرُّ على الفتى فتهون غير شماتة الأعداءِ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تظهر الشماتة لأخيك، فيرحمه الله عزّ وجلّ ويبتليك» رواه الترمذي. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تعوذوا بالله من جَهْد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء وشماتة الأعداء). الشَّماتة لغة: فَرَحُ العدوّ؛ وقيل: الفرح بِبلِيَّة العَدُوِّ؛ وقيل: الفَرَحُ ببليَّة تنزل بمن تعاديه، والفعل منهما شَمِتَ به، بالكسر، يَشْمَتُ شَماتةً وشَماتاً، وأَشْمَتَه اللهُ به. وفي التنزيل العزيز: «فلا تُشَمِتْ بي الأَعْداءَ»الأعراف 149. كثير عزة: ومن لا يُغَمِّضْ عَينَهُ عن صَديقِهِ وَعَنْ بَعْضِ ما فيه يَمُتْ وَهُوَ عَاتِبُ ومن يَتَتَبَّعْ جاهِداً كلَّ عَثْرَةٍ يجدْها ولا يسْلَمْ له الدَّهْرَ صاحِبُ فلا تأمنيهِ أن يسرَّ شماتةً فيُظهرها إن أعقبتهُ العواقبُ كأنْ لم أقل والليلُ ناجٍ بريدُهُ وقد غالَ أميالَ الفِجَاجِ الرَّكائِبُ خليليَّ حثّا العيسَ نصبحْ وقد بدتْ لنا من جِبَالِ الرّامتينِ مَناكِبُ فوالله ما أدري أآتٍ على قلىً وبادي هوانٍ منكمُ ومغاضبُ