“عشرون وجعاً” عنوان الإصدار الأول للقاص اليمني الشاب ماجد عاطف، وهي تحفز على تأملنا لشعرية الكابوسي ووجوده في السرد كشكل للانسحاب للداخل والتعبير عن الذعر الإنساني، وصلته بالخيال، والفانتازي منه على وجه الخصوص، كونه الممثل للنشاط الخيالي المفرط نحو الخارج، واقترانه بالعجائبي المستند إلى ما في المحيط من غرائب. الأوجاع العشرون في المجموعة هي ست عشرة قصة قصيرة وأربع قصيرة جداً. تحتل مساحتها أنواعاً من الكوابيس، أولها يشبه التعريف بنوع القصص وانتمائها للسرد الكابوسي، فثمة حلم تعانيه المرأة في قصة “ذلك الحلم” إذ تحس بلدغة ثعبان تظهر على ساقها. الحالم يرى أثر حلمه كما في إحدى حكايات ألف ليلة وليلة، حيث يشم العاشق صباحاً رائحة معشوقة حلمه في فراشه، لكن لدغة القصة كما تظهرها الخاتمة ليست إلا قرصة من أظافر الزوج الذي كان يحلم بأنه يطارد ثعبانا يستقر من بعد على ساق زوجته. هنا تبدأ معاناة الزوج الراوي الذي شفيت امرأته، وظل عليه أن يجد حلا لحلمه/ الكابوس. النهايات في قصص ماجد عاطف هي التي تنظّم آلية الكابوس، وسيكون علينا أن نقرأ القصص ثانية. فدوماً هناك مفاجأة نسترجعها مع السارد كما يحصل في الكوابيس: العصفور سعيد في قفصه، وعندما يطلقه صاحبه لا يطير لأنه نسي كيف يطير. وفي (بورتريه) تتحدى الفتاة الفاتنة فناناً ينهمك في رسمها ثم ترى وجهها المرسوم، فإذا به أبشع وجه على الأرض! وأعضاء الموظف تتناثر رافضة الخروج للعمل فيفصل، بينما تبتهج أعضاؤه، وهي تخرج من المبنى، ودوماً ثمة ما يجعل الاستمتاع بالأمنية غائباً، ساعي البريد ينتظر رسالة له، وبين أكوام الرسائل التي لا يوصلها لأصحابها يتمنى لو تأتيه واحدة، وحين تصل باسمه يكون قد انتهى جثة هامدة، والبنت في “مرآة معتمة” تحصل على حريتها بعد موت مضطهديها الأسريين، لكنها إذ تمتلك حرية النظر في المرآة التي منعت منها لا ترى شيئاً، وتمتلئ المدينة بالعفونة حين تفقس بيضة عملاقة يجتمع الذباب حول نتانتها ليأكل البشر فتخلو المدينة، والمخلوق الغريب، بذيل وقرنين في قصة، “معروف جداً”، يذكرنا تحديداً بمسخ كافكا ـ رائد السرد الكابوسي ـ يوضع في قفص ليتفرج الزوار على شكله المتراوح بين البشر والحيوان، وحين يصرخ شاكياً يضيع صراخه وسط ضجيج العالم، وفي قصة “السيل” تفقد المرأة ابنها فترمي نفسها في الأمواج بحثاً عنه، وحين يظهر الصغير مرتعشاً ممسكاً بجذع شجرة كانت الأم تغرق. لقد شكّل الخوف استراتيجية السرد وبرنامجه الكابوسي الذي يمتزج بالفانتازي أحياناً كما في قصة “فتاة تموت”، حيث تضحي القرية بعذراء من بناتها عند جذع الشجرة التي تسيل منها الدماء، وتحاول القرية بالتضحية أن تزيل لعنتها، لكنْ كل فتاة تتحول بعد ذبحها إلى شجرة. وذلك تعبير عن مخاوف جيل تسكنه الهواجس وتربك حياته بينما تنشط خياله.