كلما اتسع مدار الحرية كلما شعر الإنسان بذاته أكثر، شعر بجذور إنسانيته وبمكانته وبقيمته وبمصداقيته مع نفسه، يتجلى فهمه للآخر، ترسم الحرية معالمه، يتبادل جاذبية الأفكار وفضاءها، فأجمل ما في نهضة الحياة حين تتنفس هواءها استنشاقا للحرية وعبيرها، أنها تشعرك بملاذ الكون وبطعم الروح وروعتها، تملأ مكوّن الإنسان من أفكار وأحاسيس قيمة، وتزيّن فضاءه المنسوج بالشفافية، فالكل ينشد ما في ذلك المطلع من مقتبس قائم على الثقافة والرؤى الحرة. ما يصاغ في نفس الإنسان العربي ينحدر من مكونات عالمية، مكوّن الآخر الذي سبقه في رؤيته الى الأشياء وبخاصية ثقافية مرنة الى أبعد الحدود، قد لا تتواكب مع رؤيته كإنسان عربي يفتقد مفاهيم هذا المسار، وحالته الحياتية قد تفضي الى انتكاسات أشد مما كان عليه. فالحرية لست ذائعة، أو متشابهة لكل من يريدها، انما فضاءها يتسع.. وأقل ما في شأنها أنها لا تشعر المرء حين يتحدث بخوف أو رهبة فلا يشعر إن عليه أن يبقي كل ما يثيره أو ما يخص عالمه في أعماقه. أكثر الحالات صعوبة هي عندما يبقي المرء أفكاره ورؤاه محل اسراره، كما لو أنه يغرقها في وحل وسط الظلام الدامس، فالأفكار منطلقها الضياء النيّر، لا تتلازم والمكان الضيّق، حتى وإن كانت النفس بما حباها الله رحبة، فالحرية سبيلها تجاوز حدود النفس، وإلا بؤست وطمست، نتاجها عظيم وجميل اذا ما رسمت أصول الحياة ومبدئها، وسمت بالمجتمع المدني، فيتحرر من شوائب جمة، ولا تظل حريته قيد الهاجس المتراكم والخوف المتعاقب، فالعالم الذي يتلازم مع الخوف عالم ممل وكئيب ونتاجه المرض. وترى البعض حين ينشد الكتابة عن الحريات في وطنه يبحر بعيدا نحو الحريات قاطبة، ينشد حرية الآخر، يعبر عنها ويثور من خلالها أو يغرق في الصمت، ويغيّب أفكاره التي يعتقد أنها محظورة ومربكة لطريقة الحياة الماثلة في بيئته ونظمها، هو مكبل بداخله ويتحدث عن أحلام الآخر وعن مسارات الآخرين، وهو المسحوق أمام تجلي المتغيرات الثقافية والاجتماعية، لذا يعيش حالة الابتعاد أو ينتهي به الأمر إلى حالة من الكتمان والصمت. الحرية ظلالها جميلة، هي لغة مشتركة ما بين الأوطان والإنسان، اللغة النابضة بسحر الكيان والفته ووجوده، هاجس الوطن وحدوده، يجد الإنسان نفسه ضمن سياقها لكن بمفهوم الحرية التي تقوم على المبادئ لا الحرية المشبعة بالأهواء والدلالات التي تفقدها أرضيتها. في الدول التي تؤمن بالحرية تسمع همسا آخر مفاده بأن الحرية المفرطة هي نتاج خاسر ومرادف للفوضى ومن شأنها ان تخلق مجتمعات تخسر كل القيم والمبادئ، لذا فإن تلك المجتمعات تحاول أن تستقي من فرات الحرية ولا تبرر شوائبها، فالحرية المتزنة مطلبها بما يعود بالشفافية الصادقة على المجتمع، فمن خلالها قد ترى انعكاسات جميلة على واقع الحياة.