بكل الأناقة مدد الروائي الجميل جوزيه ساراماجو السبت الماضي في بلاده البرتغال كي يودع وداعاً يليق بقديس، بعد وفاته في جزيرة لانزاروتي الإسبانية عن عمر ناهز الثامنة والسبعين، ففي الصور التي بثتها وكالات الأنباء كان مشهد جسد ساراماجو المسجى في تابوته في مكتبة بلشبونة، توحي ببهاء الموت حين يسكن الجسد بدلاً من الحياة التي غادرته، حيث حقيقة الحياة هي في داخلنا وليس في خارجنا. في المشهد البهي، كانت باقات الورد الكثيرة تحيط به ورفوف الكتب المزدانة بكل المعرفة، وأحد كتبه على طاولة قرب رأسه ووردة حمراء قرب الكتاب وعلى جثته. فهذا الاعتناء الكبير بموت ساراماجو بالتأكيد يعني تعبيراً عن المحبة والتقدير الكبيرين لهذا الكاتب المختلف؛ ومدعاة للتوقف والتحديق بقيمة الموت كحقيقة يمكن الاحتفاء بها عندما يأتي بشكله الطبيعي، أي بعد أن يكون الإنسان قد صال وجال ووضع بصمته على ورقة الزمن أن يحتفى به ويودع الانسان ببهاء يجعل الموت، الشقيق الطبيعي للحياة مرحباً به ويمكن استيعابه بلا فجيعة. فوداعاً ساراماجو وشكراً كثيراً على كل ما كتبت وعلى وجودك في الحياة. تكون في حالة فرح، في سعادة، منتشياً بالحياة والزمن، تفكر في جمال الأشياء وتستغرب من كل الذين يعملون على تشويه انتشاء الأرواح والقلوب والنفوس، كيف لهم هذه القدرة على تحمل أنفسهم وهم بهذا الحال. لكن وأنت في خضم النظرة المتفائلة والسعيدة بالحياة ينتابك في لحظة شعور لا تدري هل هو غريب أو هو متجذرٌ في داخلك، شعور ليس فيه انزعاج أو كره لأحد، فقط تود أن تكون وحيداً ولا رغبة لديك حتى باستخدام لسانك، بلا سبب مباشر أحياناً تود أن تغيب عن كل المشاهد التي ترافقك أو التي ترافقها أو التي تسكن أنت فيها، في موقعك الجغرافي في مساحة الخريطة في إطار حدودها. وفيما يظن البشر أنك منشغلٌ معهم باللهاث في صراع الحياة، بالتظاهر والتمظهر والاستعراض، تكون أنت، تود أن تغادر كل شيء وتذهب نحو السكينة، تماماً كما يفعل الزهاد العظماء حين يختلون بأنفسهم لسنين يروضون فيها النفس ويجعلونها تتعلم أن تعلو فوق كل ماهو زائل، حيث عند التحديق العميق في الحياة واللهاث فيها فإنك لا تجد سوى أن كل شيء عبث “كل شيء غبار”. لكن لماذا يحدث هذا الشعور وكيف يأتي؟ في روح الشاعر دائماً رغبة في الانسحاب من هذا العالم والانطلاق نحو الفضاءات الواسعة نحو المطلق، هناك في البعيد، حيث تكبر المشاعر دون سقوف ولا جدران، تنطلق الأحلام، تمشي، تعدو وتطير، تحلق قرب الشمس ولا تحترق، تحلق قرب القمر وترتوي بالعشق وجمال الحياة. أيها الواقف بعيداً سوف تحدق فينا أعرف، انك سوف تفعل ذلك، ولن تصدق ما يحدث أعرف، سوف تذهب أبعد، سترتسم عبرة على وجهك، وحين تمر علينا ذاهباً كسماء تغيب فيها الحكاية، سوف نقول لك: لك الريح الساكنة قلوبنا.. لك القصيدة الغيوم العبرة والمحبة saadjumah@hotmail.com