قبل أربعة عشر عاماً كنت في اليابان، وإذ كنا على عجلة من أمرنا، كنا نستقل الخط السريع المميز، وكان يوازي في ارتفاعه حوالي ثمانية أو تسعة طوابق، وهناك خطوط أخرى أقل منه فئة، وقد تعاملت لفترة شهر تقريباً مع الشعب الياباني المسالم الودود المحترم المقدر للوقت، والعارف لأهميته وقيمته الحقيقية، فالياباني يمكن أن يفعل أي شيء إلا أن يهدر وقته، كما أن اليابانيين دقيقين لأبعد درجة، هم أشبه بشعب مبرمج، عامة الشعب ليست بتلك العقلية المتفتحة والذكية التي تصدر لنا الأجهزة الكهربائية والإلكترونية والسيارات وغيرها من مستلزمات الحياة، ولكن فئة منهم هم العباقرة، وكما عرفت هذه الفئة تحصل على الدعم والرعاية والتأهيل مبكراً، فهناك عيون يابانية ترصد المبدعين والمفكرين والنوابغ، ولكن مع ذلك فعامة الشعب، والبسطاء ملتزمون بالعادات والتقاليد والمبادئ التي يقدسها اليابانيون، وأهمها أحترام الوقت، والنظام، لدرجة قد تشعرنا بالملل والضيق، فإذا طلبت من سائق سيارة أجرة إيصالك إلى لمكان ما، لن يكون بمقدورك تغيير وجهتك ما لم تصل إلى المكان المقصود، لأن السائق لن يستجيب لك، وإذا دخلت مطعماً مع جماعة لن تستطيع دمج طاولتين مثلاً لتجلسوا معاً على طاولة واحدة، ولكن مع ذلك يبقى الشعب الياباني من الشعوب اللطيفة والمحترمة لضيوفها وتعاملهم مع الغريب يكون بمنتهى التقدير والاحترام، وأبداً لن أنسى هذه الرحلة الممتعة التي أدخلت التكنولوجيا في حياتي العملية، فيومها كنت الوحيد بين أكثر من خمسمائة صحفي يمسك بيده الورقة والقلم، فيما كانوا جميع أصحاب العيون الصغيرة من الصحفيين ممن كانوا معي يحملون أجهزة الحاسوب معهم، ويومها كانت بدايتي مع هذا الجهاز الذي بات أحد الرفاق والأصدقاء المقربين جداً.
استرجعت ذكريات تلك الرحلة وأنا أتابع مؤتمر الحوار الإسلامي الياباني الذي أقيم أمس الأول بجامعة زايد بأبوظبي، واستقطب عدداً كبيراً من الأكاديميين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، إن استضافة الدولة وحرصها على تنظيم مثل هذه المؤتمرات هما تجسيد لقيم نبيلة تؤمن بها قيادتنا الرشيدة، تقوم على مبدأ احترام وتقدير الآخر وثقافته وعاداته وتقاليده والتعرف عليها، بغض النظر عن دياناتهم وأجناسهم وعقائدهم ولغاتهم، والعمل على خلق قنوات للتواصل مع حضارات العالم وثقافاته المختلفة للاستفادة منها، وتحقيق الخير للإنسانية، ومكافحة بعض المشاكل التي تواجه العالم اليوم، فالحوار الإسلامي الياباني وهو ينطلق من الإمارات يعزز تلك القيم الإنسانية الراقية التي ترسخها الإمارات، وتقوم على التواصل والاحترام والتقدير المتبادل بين الدول والثقافات والأجناس في كافة أرجاء المعمورة، والسعي الدؤوب لمد يد العون والمساعدة لكل محتاج في العالم، والعمل على مكافحة الفقر والجهل، وغيرها من التحديات التي تواجه مختلف دول العالم النامي وتتطلب جهوداً مضاعفة من جانب المجتمع الدولي، الى أن أضحت الإمارات رائدة على مستوى العالم في هذا المجال.


m.eisa@alittihad.ae