الصغير راشد سعيد، يزخرف الذاكرة بـ 550 كتاباً، معتنياً برأسه الجميل، حين يرتاد المكتبات يومياً، يتنقل بين أرففها، كفراشة تنشد الرحيق، وتبحث عن صديق، لا يكل ولا يمل من العطاء، وتشعر بالفخر عندما ترى إنساناً، زادُه الكلمة، وساقيته صفحات تمتلئ بما يلون الحياة، ويشكل سجادتها، ويضيء أحلامها.
راشد سعيد، الصبي في السنة الثالثة عشرة من العمر، في الصف الثامن، استطاع أن يقرأ من الكتب، ما لم يستطع غيره من الذين بلغوا أضعاف عمره، ولأن راشد شغوف بالقراءة، كلوف بتوسيع دائرة الحلم، لهوف إلى اكتشاف الذات وما حولها، فإنه يقرأ ويجتهد، ويمارس القراءة، كفعل لإثبات الوجود والبحث عن الذات، واقتناص اللحظة، واللحاق بومضة النجوم المتلألئة عند دفتي كتاب يراه مهماً، فتستريح له عيناه، ويهنأ به قلبه، وينتشي له عقله، في زمن تسرق عقارب الساعة، العمر، وفرص الوعي، نجد في راشد سعيد، ظاهرة يتخلق صاحبها بأخلاق الأُول من فلاسفة ومفكرين، وباحثين، ومؤرخين، وكيف لا يكون ذلك، والإنسان مخلوق جُبِلَ على النشوء والارتقاء، وتطور العقل بالقراءة، والبحث، لإفادة الشك الذي قال عنه ابن طفيل إنه أساس المعرفة.
من لا يشك لا ينظر، ومن لا ينظر لا يبصر، ومن لا يبصر مات على العمى، ويقصد الجهل، راشد سعيد، أراد أن يستعيد لنا أمجاد القراءة، وأن يستولي على الحلم الجميل، بقراءة دؤوبة، وفكر يقظ يعرف معنى وقيمة الكتاب، إذا فتحت صفحاته وصارت جزءاً لا يتجزأ من حياة الإنسان.. راشد سعيد، الولد الصغير يريد أن يقول لنا جميعاً: اقرأوا تصحوا، لأن القراءة صحة للعقل، وصحة العقل صحة للبدن، وانتشاء للروح.
وعندما نقرأ أو نسمع عن مثل هذه الظواهر، التي أصبحت نادرة، وغابرة في هذا الزمان، فإن خريطة الكلام تتسع تضاريسها، وأن جغرافية الفرح، ترتفع جبالها، وأن تاريخ المجد يعيد كتابه، وقراءة أسماء وفصول، ومفاصل من مقاصة التاريخ الإنساني.
راشد سعيد، المنتمي للقراءة، المتجه باتجاه صناعة الأحلام، الذاهب بعيداً نحو شمال الصدر جهة القلب، الواقف متأملاً عند رصيف اليقظة، المبتهل في محراب القراءة، أراد أن يقول لنفسه، ولجيل كامل، من أبناء وطنه، إن القراءة وحدها حزام الأمان، وسر بقاء الإنسان، وهي الحصان، والحصن، وهي الرهان، وهي المزن التي تقع عند شامخ الرأس، تظلله وتدلله، وتبلله، وتمنحه سر الحياة.
راشد سعيد، أراد أن يثبت أن الكتاب شجرة الغاف، التي ترفرف بأوراقها، على حبات الصحراء، فتمنحها سر الغناء، ضد الفناء، ولا انتهاء طالما بقيت العين، تكحل الجفنين، بأثمد الحروف.. راشد سعيد، شكراً لك، وشكراً لوالديك اللذين علَّماك وشجَّعاك، ودفعاك لأن تسلك طريق القراءة، فاقرأ يا عزيزي، لتقرأ إلى بعد حين، وبعد طول عمر بإذن الله.


marafea@emi.ae