كانت جليلة بنت مرة أخت جَسّاس زوجاً لكليب بن ربيعة، فلما قتل جَسّاس كليباً اجتمع نساء الحي للمأتم، فقلن لأخت كُلَيب: رَحّلِي جليلةَ عن مأتمك؛ فإن قيامها فيه شماتة وعار علينا عند العرب؛ فقالت لها: يا هذه؛ اخْرُجي عن مأتمنا، فأنت أخت واتِرنا وشقيقة قاتِلنا؛ فخرجت وهي تجر أعطافها؛ فلقيها أبوها مُرّة، فقال لها: ما وراءك ياجليلة؟ قالت: ثُكل العَدد، وحُزْنُ الأبدِ، وفَقْد حليل، وقَتْلُ أخٍ عن قليل، وَبَين ذَيْنِ غَرْس الأحقاد، وتفتُت الأكباد؛ فقال لها: أو يكُفُّ ذلك كرَمُ الصفْح وإغلاءُ الدِّيَات؟ فقالت جليلة: أُمْنيّة مخدوع ورب الكعبةَ! أبا لبُدْن تَدَعُ لك تَغلبُ دمَ ربّهاَ. ثم بلغ جليلة أن أخت كليب قالت حين رحلت: رِحْلَةُ المعتدي وفراق الشامت! ويلٌ غداً لآل مُرّة؛ من الكَرّة بعد الكرَّة! فقالت: وكيف تَشْمَت الحُرَّة بهتك سِترها، وترقب وترِها أسعدَ الله جَدَّ أختي، أفلا قالت: نفْرَة الحياة، وخُوْف الاعتداءَ! ثم أنشأت تقول: يا ابنةـــَ الأقْــوام إنْ شـِئْتِ فلا تَعْجَلِـــي بِاللَّــوْمِ حتــــى تسْــألي فـــ إذا أنْــــتِ تَبَيَّنْـــتِ الَّــذِي يُوجِـــبُ اللَّوْمَ فَلُومِــــي واعْذلـي إنْ تكنْ أخْتُ امْرِئٍ لِيمَـتْ عَلَـى شَـــــفَقٍ مِنْهَــــا عَلَيْهِ فَافْعلـــي جَلَّ عنـــدي فِعْـلُ جَسَّـاسٍ فَيَا حَسْرَتِي عَمَّا انْجَلَـــــتْ أَوْ تَنْجَلــي فِعْلُ جســـاسٍ عَلَى وَجْـدِي بــِهِ قَاطِعٌ ظَهْـــــرِي وَمُــدْنٍ أَجَلــــي تَحمـــلُ العيْـن قَذَى العَيْنِ كَمَا تَحـْمِـــــــلُ الأُمُّ أذَىَ مَا تَفْتَلـــي يَا قتِيــــــلاً قَــوَّضَ الدَّهْــرُ بِــهِ سَــقْفَ بَيْتَـيَّ جَمِيعـًا مــِنْ عَـــلِ هَــدَمَ البَيْـتَ الَّــذِي اسْتَحْدَثْتُهُ وَانْثَــــــنَى فِي هَــدْمِ بَيْتِــي الأولِ وَرَمَانِـــي قَتْلُـــهُ مـــن كَثَـــــبٍ رَمْيَــــةَ المُصْمـــي بِهِ المســْتَأصِلِ يا نِسَــائِي دُونكـــنَّ اليــوم قـد خَصَّنــــــي الدهــرُ بِرُزْءٍ مُعْضِـــلِ خصَّنِــــي قَتْـــلُ كُلَيْــبٍ بِلَظـى مـــن ورَائــي وَلظـــى مُســـْتَقْبِلِي ليس مـن يبكِـي لِيومــيْنِ كمــن إنَمَا يبكـــــــــي لِيـــومٍ ينْجلِـــي يَشْــــتَفِي المدْرِك بِالثـــأرِ وَفِـي دَرَكِـــي ثــــَأريَ ثُكــــْلُ المُثْكِــلِ لَيْتَــــهُ كَان دمِ فاحْتَلَبُــــــــــوا بدلاً منْه دمــــــاً مِــــن أكْحَلِـــي إننِــــي قاتِلـــــة مقتولَــــــــــةٌ ولعـــل اللَــــهَ أن يرتـــــاحَ لِـــي والنَّكْبَةُ الـمُصيبةُ من مَصائب الدهر، وإحْدى نَكَباتِه، نعوذ باللّه منها. والنَّكْبُ كالنَّكْبَة؛ قال قَيْسُ بن ذُرَيْح: تَشَمَّمْنَه، لو يَسْـتَطِعْنَ ارْتَشـَفْنَه، إِذا سُفْنَهُ، يَزْدَدْنَ نَكْباً على نَكْبِ وجمعه: نُكُوبٌ. ونَكَبه الدهرُ يَنْكُبه نَكْباً ونَكَباً: بلغ منه وأصابه بنَكْبةٍ؛ ويقال: نَكَبَتْهُ حوادثُ الدَّهْر، وأصابَتْه نَكْبَةٌ، ونَكَباتٌ، ونُكُوبٌ كثيرة، ونُكِبَ فلانٌ، فهو مَنْكُوبٌ. ويقال: ليس دونَ هذا الأمر نَكْبة، ولا ذُياحٌ؛ وفي حديث قُدوم الـمُسْتَضْعَفين بمكة: فجاؤُوا يَسُوقُ بهم الوليدُ بن الوليد، وسار ثلاثاً على قَدَمَيْه، وقد نَكَبَتْه الـحَرَّةُ أَي نالته حجارتُها وأَصابته؛ ومنه النَّكْبةُ، وهو ما يُصيبُ الإِنسان من الـحَوادث. وفي الحديث: أنه نُكِـبَتْ إصبَعُه أي نالتها الحجارة. نكب: النون والكاف والباء أصلٌ صحيح يدلُّ على مَيْل أو مَيَلٍ في الشَّيء. ونَكَب عن الشَّيء يَنكُبُ. ابن الرومي: ومِنْ نكبةٍ لاقيتُها بعد نكبــــــــــةٍ رَهِبتُ اعتساف الأرضِ ذاتِ المناكبِ وصبري على الإقتار أيسـرُ مَحْملاً عليَّ مِنَ التغرير بعــد التجــــاربِ لقِيتُ من البَرِّ التّباريــحَ بعـدمــا لقيتُ من البحر ابيضاضَ الذوائبِ سُقيتُ على ريٍّ به ألفَ مَطْـــرةٍ شُغفتُ لبغضِيها بحبّ المجَادِبِ ولم أُسْقَها بل سـاقَها لمكيدتـي تَحامُق دهرٍ جَـــــدَّ بي كالمُلاعبِ إلى اللَّه أشكو سخفَ دهري فإنه يُعابثني مذ كنت غـــــــيرَ مُطائبِ