المكفوف مبصر أغمض عينيه ليرى العالم كما هو، لا كما يصوره له الواقع.. والمكفوف يمتلك من القدرات والإمكانات ما يجعله فذاً في تناول قضايا الإنسان، وما يحيط به من معطيات اجتماعية وفلسفية وكونية.. والفيلم الذي أنتجه ثلاثة من الشبان المكفوفين تحت عنوان “لحظة اعتذار” ينبئ بملكات أشخاص قادرين على العطاء محترفين مهنة الفن، كعقيدة، ومبدأ، وطموح، وإرادة تضع الإنسان أمام اختبار أكون أو لا أكون.. وتحريض المؤسسات الثقافية وتمكينها للإنسان من أن يمارس هواياته تعبيراً عن قدرات جامحة لهو وسيلة ناجحة من وسائل اقتناص الفرص التي تضع الإنسان على المحك، وتمد له يد المساعدة لطرح أسئلته الوجودية وملاحقة لحظة العمر، من أجل تحقيق ذروة التقدم والنهوض الاجتماعي.. نجوم النور استطاعوا بهذا العمل الفني أن يضيئوا الطريق أمامنا، وأن يبصرونا أشياء كثيرة في داخلنا وأن يحررونا من عقد الفرز الاجتماعي، والإقصاء.. نجوم النور ساروا بنا من خلال هذا الفيلم التسجيلي نحو سيناريوهات حياتية تفتح المجال أمام أسئلة كثيرة، من أهمها، لماذا لا يرى المبصرون ما يفعله المكفوفون من إنجازات لتكون درساً ووقاية من التملق حول الذات، لماذا لا يحذو الناس جميعاً حذو هؤلاء الذين كسروا الحاجز النفسي وتحرروا من أغلاله ليؤكدوا أن المكفوف الذي فقد حاسة من حواسه إنما فاز بحواس أخرى أكثر شفافية، وأجدر بأن تقوم بدور الإبداع وتحقيق أقصى ما يرومه الإنسان ويسعى من أجله.. نجوم النور في باكورة العطاء هذه، إنما يشرعون الأبواب أمام سواهم ممن لم يجدوا الفرصة أو الذين ما زالوا كامنين تحت شراشف التردد والخوف والخجل.. نجوم النور صاغوا الحكاية من البداية إلى النهاية ووضعوا الثيمة الفنية في قالب إنسان يسلط الضوء على قدرات شريحة من شرائح المجتمع التي قلما كان يلتفت إليها في الماضي القريب.. اليوم وبعد أن نسجت الدولة خيوط المعرفة بحرير الوعي لابد أن يقتحم المكفوف هذا المجال أعني المجال الإبداعي وغيره من مجالات حياتية، هو قادر على الإمساك بشغافها وقادر على التماهي مع الآخرين، من دون خجل أو وجل، لأن المكفوف إنسان حباه الله بقدرات فائقة كامنة توازي تلك القدرات التي يتمتع بها غيره، من الذين ينعمون بنعمة النظر.. المكفوف، وفي ظل الإمكانات التكنولوجية الواعية يستطيع أن يشق طريقه بكل دقة وإتقان وامتهان وانسجام، فقط لا تحتاج المسألة إلا إلى الإرادة وإلى التصميم على تحقيق النجاح وتأكيد الذات، والاستفادة من الفرص المتاحة، وما يتاح أمام المكفوف اليوم من إمكانات مادية ومعنوية لهو سبيل لمزيد من العطاء، وهو فتح من فتوحات العصر الحديث يجب أن يشجع أيضاً مؤسسات ثقافية أخرى لكي تواكب الحدث الإنساني بكل جدارة وتفوق.. والله الموفق.


marafea@emi.ae