يدور الحديث كالساقية ولا ينتهي، الحديث كثير هذه الأيام حول الثورات الشعبية ودور الشباب ، والديمقراطية، وحول الإصلاح والفوضى، حديث يطرح تساؤلات حول الأسباب والتوقيت ومن يقف وراء من؟ حديث يروج لنظرية المؤامرة التي تسيطر على الكثيرين في العالم العربي، وحديث حول التقسيم والخرائط البديلة التي تجهز، وحديث حول دور بعض الإعلام العربي في الترويج للفوضى وتضخيم الأحداث وصناعتها بدل الاكتفاء بنقلها بموضوعية وشفافية!!
يدور الحديث كالساقية في هذه الأيام، لكن المتحدثين مثل الحاطبين بليل، يقولون كل شيء ويجمعون كل شيء في حزمة واحدة، ليس لأنهم لا يفهمون أو لا يجيدون التحليل والتأمل والتدقيق، لكن لأن المعلومات قليلة والحقائق نادرة والأقاويل تملأ ما بين السماء والأرض، فلا يكاد يمر يوم دون أن تصعق بمعلومة أو خبر، حيث لا يمكنك بأي حال من الأحوال أن تتأكد من مدى صحته أو دقته، ومما يؤسف له أن الإعلام العربي غائب كأنه لا وجود له في هذه المعركة التي تخوضها الأمة كلها، وليس شعب بعينه أو بلد ضمن حدوده!
كيف أمكن للإعلام أن يحيد نفسه عن الأحداث في بعض الدول، حتى وإن لم تكن تعاني شيئاً من العنف الحاصل؟ كيف يمكن أن لا نجد برامج تحليلية رصينة للأحداث؟ نحن لا نتحدث عن نموذج القناة الإخبارية الصرفة التي تتصدى لها بعض القنوات الشهيرة في عالمنا العربي كالجزيرة والعربية، لكننا نتحدث عن الإعلام العربي بجميع أشكاله ووسائطه، والذي يسبح في بحر آخر لا يمت لما يجري على الساحة العربية بصلة، فهل يمكن تقبل هذا الموقف منطقياً وإعلامياً؟
ألا يعتبر تقديم المعلومة والمعرفة ووضع المتلقي في منطقة الإحاطة بما يجري واحدة من مهام الإعلام الحديث؟ لماذا تتم متابعة ومسايرة الأحداث العربية الراهنة في القنوات الغربية عبر استديوهات على مدار الساعة وعبر برامج يومية وأسبوعية، بينما لم يتطرق بعض إعلامنا للمشهد العربي الراهن إلا عبر نتف إخبارية تبثها وكالات الأنباء، وكأن هذه الأحداث تهم فنزويلا أكثر مما تهمنا؟
لا نريد الغرق في السياسة، لكننا لا نريد أن يبدو المشهد الإعلامي العربي منفصلاً عن واقعه وفاقداً لبوصلة انتمائه العربي، كما لا يجوز تقديم هذا الانطباع للعالم بأننا لا علاقة لنا بما يحدث في ليبيا، لأنه شأن داخلي لا يخص هذا البلد أو ذاك، فالعالم ليس قرية صغيرة بفعل تكنولوجيا الاتصال، وإنما صار حياً صغيراً يعرف كل سكانه أسرار بعضهم البعض بكبسة زر، والبركة في الإنترنت وعموم وسائل الإعلام.
على هذا الإعلام أن يقتنع بأن ما يحدث ستكون له تداعيات خطيرة جداً على إعلامنا، وإن العاملين فيه هم أول المعنيين بهذه التداعيات سلباً كانت أم إيجاباً، كما أن عليه أن يعترف بأن هذا الذي يحدث هو حديث الشارع بجميع شرائحه، ومعروف أن الجمهور يتابع ما يهمه ويعنيه ويشكل مصدر قلقه، وفي أوقات صعبة كهذه لا تفلح برامج ستار أكاديمي وصناعة النجوم ومفاتن الحسناوات في جذب الاهتمام والشهية، ذلك أن مشاهد العنف والقتل والفوضى تثير الهلع والرعب وتطرح أسئلة مصيرية حاسمة، ليس من بينها سؤال عن أجمل الفتيات وأكثر الشباب موهبة في الرقص .


ayya-222@hotmail.com