على الرغم من التقنيات الحديثة في عالم الاتصال وتكنولوجيا المعلومات، التي يستخدمها العامة، وتلك الأحدث والأخطر التي يستخدمها الخاصة وأجهزة الدول السرية والاستخباراتية، إلا أن ثقافة الإشاعات وضبابية المعلومات لا تزال سائدة حتى يومنا هذا، ويزيدها غموضا وإرباكا استخدام مصطلحات مختلفة، تعكس توجهات ثقافية وسياسية واجتماعية، كما تعكس أحلام وطموحات مروجيها. قد أفهم أن تلجأ المؤسسات التي تتحكم بصناعة القرار إلى هذا النمط (الإشاعات) تمهيداً لتمرير سياسة ما، ولكنني لا أفهم أن تنجر وسائل الإعلام العالمية والعربية إلى هذا المأزق، وتتحول إلى مؤسسات تحاول صنع قرار، وتكوين ما يشبه الرأي العام العالمي بشأن قضية ما. هنالك دول كثيرة في عالمنا المعاصر، الذي يدعي الانفتاح والحريات وحكم الجماهير والبحث عن الحقيقة واحترام الرأي الآخر، تمارس تعتيما إعلامياً مقصوداً بهدف إخفاء الحقائق، وهذا ما يمهد لانتشار ثقافة الإشاعات، ويجعلها تمتد لتغلف العمل الإعلامي، هذا الإعلام، بشقيه العالمي والعربي، اقترب من هاوية السقوط وهو يغطي الأحداث الأخيرة في تونس ومصر، والآن في ليبيا، الأمر الذي دفعه، ولا أقول اضطره، إلى اللجوء إلى مصادر مكشوفة تماما، وقد تنطلي هذه اللعبة على الإنسان العادي، إلا أنها لا تنطلي على الإعلامي الحاذق، الذي يدرك كيف يصاغ الخبر، ويعلم تماما شروط التحقيق الصحفي الإعلامي، وما يزيد الطين بلة، أن وسائل إعلام كثيرة بدت وكأنها تسير في مظاهرة غوغائية، تنقل الغث والسمين، متناسية مناطق ساخنة في العالم العربي، فلسطين على سبيل المثال، وحشدت كل إمكانياتها إلى درجة تبعث الملل والقرف في النفس، وهذا ينطبق على وسائل الإعلام التي بدأت تنافس الشعوب في التغيير، على الرغم من أن هذا ليس دورها على الإطلاق، وإنما دورها المعروف هو تقديم الحقائق والتحليلات بموضوعية، بعيدا عن استخدام الألفاظ النابية والشتائم والاستهتار والاستخفاف بعقلية المشاهد، الذي بات يتمتع بنسبة كبيرة من الوعي، ويتنقل بين محطات ومصادر معلوماتية عديدة. المثقفون غير المسيسين وقعوا ضحية ما تضخه وسائل الإعلام من متناقضات، وانفعلوا بطريقة منعتهم من التعبير الصحيح عن مواقفهم، وهناك فئة اكتفت بالتأمل وقراءة المشهد بعمق، واضعة اياديها على قلوبها، لأنها ترى المشهد من جميع جوانبه، فلم تعد هناك أمور محلية وأخرى إقليمية وثالثة عالمية، فهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً ببعضها بعضاً، استنادا إلى حجم المصالح، وهي أمور تجعل صاحب المصلحة يضحي بمبادئ إنسانية مقابل الحصول على جزء من الكعكة. إن كل ما يحدث من وجهة نظر ثقافية، يشير إلى أن الإعلام العربي لم ينضج بعد، فهو إما يكون بوقاً للسلطة أو بوقاً لجهات أخرى، ولم يتحقق الإعلام المستقل غير المنحاز حتى الآن، والبعض يرى أن الإعلام يجب ألا ينحاز، وهو أمر مثير للجدل. akhattib@yahoo.com