جاء مصطلح الهوية في اللغة العربية من كلمة: هو وهي وهم، بمعنى كل ما يميزه هو عن غيره أو كل ما يجعل هذا الشخص أو هذا البلد أو هذا المكان قائماً بذاته هو لا يشبهه شيء آخر، وكل شعب في الدنيا له ملامحه ومميزاته التي تكسبه هوية تجعله معروفاً بها دون حتى أن يعرف عن نفسه بالكلام الكثير، فبمجرد رؤيتك لشخص يمشي في الشارع ودون أن تتحدث إليه تستطيع أن تخمن أنه هندي أو أفغاني أو ياباني مثلاً، دون أن تعني الهوية أي تمييز عنصري أو عرقي أو إثني، بمعنى أن الهوية ليست تفصيلاً سلبياً أو معادياً لإنسانية أي جنس من الأجناس بقدر ماهي حالة من التعريف والتمييز والتشخيص الذي يدفع للاعتزاز والفخر دائماً.
وقد اختلف العلماء والباحثون في تحديد عناصر الهوية، وفيما إذا كانت شيئاً ثابتاً، متحركاً وديناميكياً، أو إذا كانت ثابتة جامدة عبر الأزمنة والعصور أم أنها تتغير بتغير التاريخ والظروف، بحيث يمكن أن يبرز أحدها أو بعضها في مرحلة معينة وبعضها الآخر في مرحلة أخرى، فمنهم من قال إن الهوية ثابتة لا تتغير، فالعربي له مميزات محددة إن تغيرت أو اختفى بعضها “تلخبطت” هويته من جذورها، فلا يمكن أن تتغير لغته أو دينه أو عاداته أو ملبسه أو ... ومنهم من قال عكس ذلك، فيما عدا اللغة فهي ثابت من ثوابت التاريخ والهوية والقاسم المشترك بين أبناء أي أمة من الأمم تنتمي لهوية محددة وتاريخ واحد.
إن الهوية الشخصية للإنسان يمكن تحديدها في الشكل والاسم والصفات الجسدية والسلوكية والانتماء العرقي، وبالتأكيد الجنس بمعنى ذكراً كان أو أنثى، أما الهوية الوطنية أو القومية لأمة من الأمم أو شعب من الشعوب فهي عبارة عن الميزات المشتركة والأساسية لمجموعة من البشر يعيشون في رقعة جغرافية محددة على الخريطة وعبر زمن طويل، ويتميّزون عن شعوب ومجموعات إنسانية أخرى، أفراد الأمة الواحدة ذات الهوية المشتركة لابد أن يتشابهوا بالميزات الأساسية التي كوّنتهم كمجموعة عبر القرون، وربما يختلفون في عناصر أخرى لكنها لا تؤثر على هويتهم الموحدة.
فما يجمع الشعب الهندي مثلاً هو وجودهم في وطن واحد عبر تاريخ طويل مشترك، وحضارة عريقة ضاربة في الزمن، وهم في العصر الحديث ينتمون لدولة واحدة ومواطنة واحدة، كل هذا يجعل منهم شعباً هندياً متمايزاً رغم أنهم يختلفون فيما بينهم في الأديان واللغات وتفاصيل ثقافية كثيرة أخرى. العناصر التي يمكنها بلورة هوية جمعية هي كثيرة، أهمها اشتراك الشعب أو المجموعة في: الأرض، اللغة، التاريخ، الحضارة، الثقافة، الطموح وغيرها ولا يهم إن كانت ضمن هذه المجموعة هناك مجموعات متمايزة لها طعامها الخاص وثيابها الخاصة وطرق الزواج عندها تختلف عن الآخرين، إن ذلك لا يؤثر في انتمائهم أبداً.
هناك هويات قومية تطورت بشكل طبيعي عبر التاريخ وعدد منها نشأ بسبب أحداث أو صراعات، كما حصل عندما انفصلت جمهوريات الاتحاد السوفيتي مثلاً، قسم من الهويات تبلور على أساس النقيض أو المواجهة لهوية أخرى، كما حدث في العراق مثلاً وفي جمهوريتي البوسنة والجبل الاسود، لكن أخطر ما في الأمر وجود تيارات فلسفية تغذيها توجهات سياسية ذات أغراض معينة، تنادي بإلغاء الهوية الوطنية أو الهوية القومية، وهذا ما يجب أن نتنبه إليه جيداً.


ayya-222@hotmail.com