بعد انتصار الثورتين في مصر وتونس ارتفعت أصوات المصادرِين والمصَدِرين وانتحرت الحناجر من أجل إثبات الوجود في خضم الطوفان، وصار رواد الخمس نجوم يتبوأون الشاشات الفضائية، ويصرحون ويصدحون عن الحكم سالف الذكر.
كلمة الحرية براقة جداً والشعارات المطروحة هي أجمل ما يكون حتى أنها لم يضعها الفيلسوف العظيم أفلاطون في جمهوريته المثالية، ولكن الخشية كل الخشية أن يصير السابق خيراً من اللاحق سواء في مصر أو تونس، لأن الذين يجيدون القفز كُثر، والذين يتميزون بتصفيف الكلام كُثر، والذين يعرفون من أين تؤكل الكتف كُثر، والذين أعدوا العدة واستعدوا ليوم كهذا منذ زمن طويل، والذين وصموا أنفسهم بأوصاف لا يستحقها إلا عمر المختار، والذين تبوأوا مكانة عالية في شاشات التلفزيون، وصاروا المناضلين والمدافعين عن حقوق الشعوب، وهم الذين أفنوا حياتهم في سبيل الحرية.
أسئلة لابد أن تراودنا وأسئلة لابد أن نطرحها على الرغم من حساسيتها، لأننا لا نؤمن بفورة العواطف، والأوطان لا تبنى بالمشاعر الجياشة، ولا بصفوف محاربي الصالات المغلقة، ويبدو أن ما يجري الآن أشبه بـ”التسونامي”، ولابد من وقفة، ولابد من نفض الملابس من الغبار، فالذين عبروا قـناة الســويس عن طريق ثورة مصر كُثر، والذين لفوا لفيفهم، وصاروا المتحدثين باسم الحرية والديمقراطية، وراحوا يكيلون أقذع التهم لهذا النظام أو ذاك، أيضاً كُثر.
أنا أعترف أنني خائف، خائف من عودة التاريخ إلى نقطة الصفر، والبكاء على اللبن المسكوب.. في ليبيا الآن يرفعون علم الملكية، ويعتبرون دستورها المثالي في التطبيق، هذه الملكية التي انقلب عليها الأسلاف، لينتبه الخلف أن النظام الجمهوري مجرد كذبة وخدعة راح ضحيتها المال والعيال والمآل. أعترف أنني ما زلت أشك في أمر ما يجري، وعيني على الذين يتأهبون لقطف الثمار والقفز على أكتاف الناس، واللعب بشعارات قد تجر ويلات، وتؤلب من يتربص بالأوطان، وتعيد الكرة كما بدأنا في العراق وأفغانستان والسودان. ربما أكون مخطئاً أو مصيباً، لا ضير في ذلك، المهم أن حرية الأسئلة ستظل مفتوحة، لأنني أشك في أمور كثيرة، ومعطيات كثيرة على الأرض لا تبشر بالخير، ولا أستبعد أبداً أن بعض التيارات النائمة سوف تستيقظ لتنقض على الغنيمة، وبعدها سنعود إلى المربع الأول، بل بأسوأ أحواله وأهواله، لأنها التيارات الأكثر إقصائية، والغائية، على وجه الأرض.
والله المستعان على امتحان نحن كشعوب عربية لسنا بصدد تحمل معضلاته أكثر مما تحملنا، ورفضنا على إثره سيادة أوطان.


marafea@emi.ae