حتى الخضراوات لم نسلم من أضرارها، على الرغم من فوائدها وقيمتها الغذائية، إلا أن الإفراط في استخدام المبيدات الحشرية وغيرها من السموم حوّلها إلى خطر يداهم المستهلكين، ومتناولي الخضراوات والفواكه، لتضاف المبيدات إلى أهم الأسمدة الكيماوية التي تستخدم بشكل عشوائي في زراعة هذه المواد الغذائية التي نعتمد عليها جميعاً ونستخدمها بشكل مستمر ودائم. ولعل زيادة الإقبال عليها، وقصر فترة الزارعة، والعوائد الاقتصادية أهم الأسباب التي تزين للمزارع هذه الأعمال غير المشروعة، والمتاجرة بأرواح البشر، وبصحتهم، من غير وعي وإدراك حقيقي للجرم الذي يرتكبه، والعبث الذي يقوم به بالأمن الصحي للمجتمع، وهو ما يتطلب مضاعفة الجهد والعمل للجهات المعنية بمراقبة المنتجات الزراعية، والتأكد ألف مرة من ملاءمتها وصلاحيتها للاستخدام الآدمي بعدما تأكد تلاعب بعض المزارعين وأصحاب المصالح بأرواح وصحة المجتمع، وغياب ضمائرهم وخلودها في سبات عميق مما يقترفونه من جرم وإثم عظيم، وما تسببوا فيه من أضرار صحية للمستهلكين والقائمين على عملية التطبيق بالحقل، وتأثير ذلك على البيئة والكائنات الحية، إضافة إلى آثار متبقياتها على المحاصيل.
ما أقوله ليس تهماً أسوقها جزافاً لهذه الفئة من المجتمع، فالمسح الذي أجرته مختبرات جهاز أبوظبي للرقابة الغذائية للكشف عن متبقيات المبيدات في الخضراوات الورقية المستوردة، كشف أن 24,3% من العينات الخاضعة للمسح وعددها 37 عينة، تحتوي على متبقيات بنسب أعلى من الحدود المسموح بها، فيما خلت 59,5% من العينات من متبقيات المبيدات، بينما احتوت 16,2% على متبقيات المبيدات بنسب ضمن الحدود المسموح بها، كما كشف المسح أن تكرار أنواع معينة من المبيدات، وبنسب أعلى من الحدود المسموح بها وفقاً لمواصفة هيئة الدستور الغذائي “كوديكس” لعام 2010، والمعايير الأوروبية المعتمدة لمتبقيات المبيدات.
وإذا كنا نطالب بتشديد الرقابة الصارمة، وفرض عقوبات قاسية على المنتجات الزراعية المستوردة لردع هؤلاء المتلاعبين والعابثين بصحة وسلامة المجتمع، فإننا نشد على يد المراقبين في منافذ ومراكز الفحص كافة بالدولة لتأمين دخول وتداول المواد الزراعية ضمن الشروط الصحية التي تؤمن لنا حياة صحية سليمة، ومواد زراعية صالحة للاستهلاك الآدمي، كما نطالب الجهات المعنية بالعمل على وضع آلية وشروط ومواصفات خاصة تفرضها على المستوردين، وتعاقب من يتجاوزها ولا يلتزم بها، لأن صحة المجتمع من الأولويات التي يحظر ويمنع العبث بها.
كما يتوجب على مزارعينا الكرام التقيد بالشروط والمواصفات والالتزام بالاشتراطات التي تحددها الجهات المسؤولة، وتنفيذ المعلومات الإرشادية كافة التي توزع وتعمم عليهم لرفع مستوى وعيهم وثقافتهم الزراعية والبيئية لتجنب الأضرار الناتجة عن استخدام المبيدات والأسمدة الكيماوية الضارة بصحة المستهلكين، ولتكون منتجاتنا صحية، فكفانا ما يأتينا من سموم وهموم ووجع رأس من كل شيء حولنا، من إفراط في استخدام التقنيات، ومن الحوادث والمعلبات والوجبات السريعة، وغيرها الكثير الكثير من روافد الحياة المدنية التي حاصرتنا وحولتنا لكتل هامدة، والله المستعان.



m.eisa@alittihad.ae