في أيامنا التي يشهد فيها العالم كله ونحن معهم من الشاهدين – تحولاً هائلاً على مستوى الشعوب والأنظمة العربية، ينبئ بولادة عالمٍ جديدٍ على ما يظهر، في هذه الأيام تتبدى فيها أهمية الإعلام كمنظومة وكرسالة وكقائمين عليه، من خلال هذا الارتباط الوثيق به لمتابعة ما يجري، حيث لا أحد بعيداً أو مبتعداً أو محايداً في هذه العلاقة أو حتى متفرجاً غير مهتم، أو غير معني، فالكل معني ومهتم ومتابع نهم، ما يعني عودة قوية لدور الإعلام العربي وغير العربي في حياة المواطن ولكن بشرط!
الشرط الوحيد لكي يصح الإعلام محل اهتمام ومتابعة الناس وارتباطهم به هو أن يكون صادقاً وحقيقياً وقريباً من الحدث، هذا على مستوى الأخبار، أما على مستوى الرأي وبرامج الحوارات والبرامج الاجتماعية، فإن خلطة النجاح كانت وستبقى محصورة في مدى تعبير هذه البرامج عن قضايا الناس وهمومهم وتطلعاتهم، فبقدر ما يشعر الإنسان أن هذه الجريدة أو الشاشة تعبر عنه وتنقل صورته على حقيقتها دون “رتوش” وعمليات تجميل وتلفيق لإرضاء البعض، بقدر ما يلتصق بها ويمنحها شهادة اعتراف أنها إعلامه الحقيقي وأنه يتابعها ويصدق الرسائل المقدمة له من خلالها.
لا يوجد أحد في زماننا هذا لا يتابع الإعلام أو لا يهتم به، ليس هناك من لا يقرأ الصحف أو يتابع الفضائيات أو يستمع إلى الإذاعة أو يتعاطى “الإنترنت” عبر أكثر وسائل الاتصالات تطوراً، الكبار يفعلون ذلك، الشباب، الأطفال، النساء والشيوخ، الأمي والمتعلم، أستاذ الجامعة وربة المنزل، الجميع تحولوا إلى كائنات إعلامية لما يشكله الإعلام من قناة ارتباط بالعالم ولما يعنيه من حق فطري معترف به قانونياً ودستورياً عبر العالم من أن المعرفة والحقيقية والمعلومة حق مصان ومشروع للإنسان، كما ورد في ديباجة البيان الأممي لحقوق الإنسان. من هنا نعجب، كيف يتعامل البعض مع الإعلام بهذا الاستخفاف الذي نراه في كثير من إعلامنا العربي.
الإعلام ليس برامج صناعة النجوم والراقصين، وأغنيات ما يطلبه المشاهدون، وليس “سوالف” حلوة تافهة، وليس تمرير وقت البث الذي ينفق عليه ملايين الدولارات فيما لا أهمية له للإنسان ولتراكمه المعرفي ولرصيد الوعي وبناء الذائقة والمعرفة عنده، دون أن يعني هذا الكلام أي انتقاص أو هجوم على برامج التسلية والمرح والفكاهة، لكن ذلك ليس كل الإعلام خاصة في فترات حرجة ومفصلية كالتي يعيشها الإعلام اليوم.
لا يمكن أن نعيش في عالم متغير وحيوي، يعيش حالة تطور متسارع من حيث استخدام تقنيات الاتصالات والمعلومات والإعلام الحديث، ثم لا نزال في معظم أوطاننا العربية نعاني جموداً على صعيد الإعلام بشكل عام والإعلام المرئي على وجه الخصوص، وتحديداً فيما يخص برامج القضايا الاجتماعية والسياسية مثلاً.
ينظر المواطن العربي للبرامج المقدمة حالياً على أنها برامج سطحية ومفرغة ولا تؤدي الغرض منها، فهي إذن لا تكفي حاجة المواطن لإعلام يعنى بقضاياه وهمومه وتطلعاته أولاً، كما أن الموجود من هذه البرامج لم يصل بعد لمستوى الشفافية والموضوعية المطلوبة، هذه الشفافية التي ينظر إليها اليوم باعتبارها العامل الرئيس لارتباط المواطن بها وتواصله معها، وهذا ما يبدو أنه مفقود في معظم برامج الفضائيات العربية.


ayya-222@hotmail.com