حين حدد المصرف المركزي قبل أسبوعين رسوم المعاملات في البنوك ساهم بشكل كبير في وضع حد للتجاوزات غير المقبولة في هذه الرسوم، لأنها كانت أشبه بمسمار جحا الذي تتحجج به البنوك لجني الأرباح من العملاء، ومع أن هذه التجاوزات طالت عددا كبيرا يقاس بعشرات الآلاف من عملاء البنوك، إلا أن من تحدث منهم للصحف واتصل بها واعترض على هذه الرسوم لم يكونوا يتجاوزون بضع مئات، والغريب أن نسبة كبيرة منهم كانوا أجانب. مثل رسوم البنوك تفرض علينا رسوم خفية في تعاملاتنا المختلفة، خاصة في الدوائر والمؤسسات التي ترسل لنا فواتيرها مطلع كل شهر فنكتشف أخطاءً كثيرة، في معظمها رسوم لا ندري لم ندفعها ولا لأي خدمة تحصلها هذه الجهة، مع ذلك ندفعها كلنا صاغرين غير مقتنعين، لأننا ندري أن مجرد التفكير في البحث عن الحقيقة والاعتراض على هذه الرسوم والتقدم بشكوى تجاه هذه الجهة سيسبب لنا من ضياع المال والوقت والجهد أكثر بمرات مما فرض علينا خفية. ثقافة السعي للحصول على الحقوق الصغيرة غائبة عن أفراد مجتمعنا كله، أو ربما نحن من ننأى عنها، نستسلم بسهولة لخطأ طباعي في ورقة رسمية ونركنه لفترة طويلة حتى نشعر بأزمة حقيقية تحتاج منا تصحيحه، أو نتغاضى عن مبلغ صغير يزيد في إحدى الفواتير ونحن ندرك أنه حق من حقوقنا المشروعة، نتركه ليس لأننا نريد تركه بل لأننا ندرك أن رحلة الحصول عليه ستكون شاقة فعلا. أحيانا كثيرة تكون الجهة صاحبة العلاقة هي السبب في دفعنا لترك حقنا (مهما كان صغيرا) عبر تصعيب طريقة الشكوى وألية تقديمها، فكلنا يعلم أن صناديق الشكاوى الموجودة في المؤسسات مهملة ومركونة، يتخيلها البعض مفتوحة القاع على سلة المهملات، أما الشكاوى اللفظية فتوجه دائما بعبارة نريد شكوى ورقية، وحين نكتب الشكوى، يظهر لنا مدير مبتسم ويقول بنظرة ماكرة: قدموا الشكوى على الموقع الالكتروني، وإن فعلتم (مثلي حين تقدمت بشكوى الكترونية قبل عامين) فلن تسمعوا الجواب – مثلي أيضا- إلى يومنا هذا! هذا الامر ليس مقتصرا على جهة بعينها، ولا يمس أشخاصا محددين ، فالطالب لا يستطيع الاعتراض على نتيجة امتحان بسهولة لأن رد إدارة الجامعة عليه سيكون (تم اعتماد النتائج ولا يمكن تغييرها)، وصاحب فاتورة الهاتف لا يستطيع الاعتراض لأن شركة الهاتف سترد عليه (ادفع ثم اعترض) أما من يعترض على مخالفة بلدية أو مرورية فعليه التوجه للمحكمة وانتظار حكم القاضي، والمشكلة لو فكرت بالاعتراض على حكم القاضي نفسه، لأن هذا الأمر يبدو المستحيل الرابع بعد الغول والعنقاء والخل الوفي! وعلى غرار هذه الجهات تسير ألية الشكاوى في كل مكان فيكون الأمر الأسهل للفرد أن يصمت على حقه الذي يدرك ويعرف أحقيته به، ويجبر على ابتلاع غصته والسكوت على حقه المسلوب، والتنزه عن دريهمات قليلة تسلب منه لأنه يدري أن الجري وراءها سيكلفه أضعافا مضاعفة.