إنه لأمر جلل .. كما يقول أساتذة اللغة العربية الذين تأخروا بمهنتهم، وأخروا تعليم لغة الضاد، وما آلت إليه أمورها عند شبابنا الجديد، وبمناسبة شهر اللغة الأم وحمايتها على مستوى شعوب العالم، ونحن الجزء المهدد منه، فقد رأينا العجب من إفراط وتفريط في شيء أساسي يقوم عليه المجتمع ويميز هويته، وهو بمثابة تعليق الجرس لأن تتخذ الدولة الأمر على محمل الجد، وتسنّ قانوناً فارضاً، مانعاً لأي محاولة لإضعاف لغة الضاد، وتمكين اللغة الإنجليزية المستشرية والطاغية، لا قانوناً وزارياً فقط يحتاج إلى آليات كثيرة لمتابعته وتنفيذه، لأننا بذلك سنفقد جزءاً أساسياً من الهوية التي تألم خاصرتنا من نواح كثيرة يشهدها مجتمعنا، وأقول إن غابت العربية أوغيبت فإننا سنفرط بركيزة في غاية الأهمية لوطننا، وهو الولاء.. الولاء، واعتبروها نظرة متشائمة اليوم، إلا أنها غداً ستصبح نظرة واقعية وفي صميم الأمور، ولا تستبعدوا أن ينشد طلبتنا نشيدهم الصباحي الخاص، والذي لا وجود له بشكل رسمي، “فيفا يو. أي. إيه”، ولا تستبعدوا أن يقرأ طلبتنا في قادم الأيام القرآن بنسخته المترجمة للغة الإنجليزية لأنها الأسهل عندهم، وقريبة من تفكيرهم، فاللغة عقل أولاً ثم لسان.
لا نقول: لا للغات العالم، بل يتوجب تعلمها بمحاذاة اللغة الأم، لأنها تكسب أبناءنا عيوناً أخرى يرون بها العالم، ولكن ليس على حساب لغتهم وثقافتهم وهويتهم، هناك مؤسسات عريقة وضخمة على مستوى الشعوب المتحضرة تنشر لغتها في الخارج كما تعمل في الداخل، وتساهم الدول بميزانياتها مثل”بريتش كانسل” أو “الأليانس فرانسيز” أو معهد “جوته” الألماني أو معهد “ثيرفانتس” الإسباني أو “جابان فاونديشن”، كل هذه المؤسسات الكبيرة مهمتها وجود اللغات والثقافات لهذه الشعوب، وتمكينها من التفاعل فيما يجري اليوم من حراك حضاري، وتحد ثقافي على المستوى العالمي، ونحن لا نزال الطرف الضعيف في هذه المعادلة، وهذا الرهان، ولا نفعل شيئاً في الخارج للوجود والتواصل على الأقل مع الجاليات العربية وأجيال المهاجرين الذين وصلوا اليوم إلى الجيل الرابع، ولا نكتفي بذلك، بل نقوم بتقويض لغتنا الأم في معقل رأسها، وإهمالها والسماح بالتعدي عليها بشتى السبل: في الشارع وفي مؤسسات الدولة ودوائرها الرسمية، بل نفاخر كآباء أن أبناءنا ثقافتهم إنجليزية أو فرنسية، وأنهم يواجهون مشكلة مع العربية، هذا الانسلاخ هو في حقيقة الأمر موجع للأهل، وليس مصدر فخر وتعال اجتماعي، وقديماً قال الألمان: “كثير من السكر للأطفال يوجع أسنان الآباء”!



amood8@yahoo.com