هناك مؤمنون بفكرة أن الأسرة العربية والمجتمعات العربية بشكل عام تتعرض لمؤامرة كبيرة هدفها القضاء عليها، في الشكل والمضمون، بمعني زعزعة علاقاتها الداخلية وضرب الأسس التي تقوم عليها، وأن هذه المؤامرة تنفذ ضد الأسرة العربية المسلمة منذ زمن طويل، وقد بدأت نتائجها تظهر بشكل واضح في ارتفاع معدلات الطلاق وتفكك الأسرة وتأخر سن الزواج للشباب من الجنسين والاكتفاء بتكوين علاقات عاطفية تعويضية، وانكماش العلاقات الحميمة ومظاهر المودة والتراحم بين أبناء وأفراد العائلة الكبيرة والأسرة الصغيرة.
لا أخلو من بعض الإيمان بنظرية المؤامرة في نواح كثيرة، وخاصة في عالم السياسة والاقتصاد والإعلام والتعليم، لكن مع ذلك لا يمكننا استخدام المؤامرة دائما وأبداً كشماعة نعلق عليها كل إخفاقاتنا وفشلنا على المستويين الفردي والجماعي، نعم هناك أعداء متربصون بهذه الأمة وبخيراتها وقيمها وأراضيها، ولا شك أن منطق العلاقة بين الأعداء يقوم على إلحاق الضرر والحرمان من المنافع، وبالتأكيد فإننا لا ننتظر من أعدائنا إلا ذلك، وهي معادلة قائمة منذ الأزل بين كل المتعادين والمتحاربين عبر التاريخ، فما من عدو إلا ويريد إلحاق أكبر ضرر بعدوه لكن السؤال: كيف نواجه أعداءنا المتآمرين علينا بحسب نظرية المؤامرة ؟
فإذا كان من المُسلَّم به أننا نتعرض لمؤامرة تهدف إلى تجريدنا من نقاط قوتنا، كتدمير الروابط الاجتماعية وضرب الأسس الأخلاقية للأسرة، وإعلاء قيم الاستهلاك والتكديس والتقليد الأعمى والانبهار بالآخر والشعور بالدونية لأنفسنا وتاريخنا ولغتنا و.... الخ فماذا فعلنا لمواجهة هذه المؤامرة الخطيرة ؟ هل قادنا علمنا ووعينا بها إلى أي شكل من أشكال مواجهتها والاستعداد لصدها، وشرح مخاطرها لأبنائنا مثلا، هل عملنا على تحصين أنفسنا وشبابنا كي لا نقع في ما يخططونه لنا ؟ ام أننا عرفنا المؤامرة واستسلمنا وصرنا نتحدث عنها يمينا ويسارا ليلا ونهارا دون ان نفعل شيئا آخر غير الثرثرة والمزيد من الكلام الفارغ ؟
لا نتحدث هنا عن جهة معينة ولا نلقي باللوم على شخص فكلنا أفراد ومجتمعات ملامين ومسؤولين عما يحدث لنا، وحتى لا نظلم أحدا نقول إن الأسرة العربية بالفعل قد تعرضت ولا زالت تتعرض لمؤامرة القضاء عليها وعلى جذور علاقاتها وقيمها وأخلاقيات شبابها وقد أطلقت الكثير من صيحات التحذير من قبل العلماء والمفكرين والمثقفين ورجال الدين لكن شيئا لم يحدث لصيانتها وحمايتها وها نحن نجني اليوم ثمارا مرة لتلك المؤامرة ولذلك التهاون !!
إن الأسرة العربية التي كانت العامل الأساسي في حفظ المجتمعات العربية وبقائها قوية متماسكة في وجه كل اشكال الغزو والتآمر، من استعمار وغزو ثقافي وتيارات منحرفة ومؤامرات وحروب أهلية وهجرات وفقر وأمراض و... هذه الأسرة التي حفظت مجتمعاتنا ومنحتها كل عناصر البقاء وقيم المواجهة وأسلحة التفوق والمقاومة والإصرار على التمسك بالحقوق والمكتسبات، هذه الأسرة تنهار اليوم ببساطة شديدة جدا لمجرد شجار بسبب مباراة كرة قدم، ولمجرد ادمان الزوج على محطات تلفزيونية بعينها ولمجرد سقوط الزوجة أمام إغراء البلاك بيري وغيرها من الأسباب !!
في الحقيقة ليست هذه هي الأسباب الحقيقة وراء انهيار بناء الأسرة في بعض المجتمعات، إنما السبب الحقيقي يكمن في الضعف والتآكل الذي أصاب أسس الأسرة، وعلاقاتها، وفي تهاوي منظومة القيم في نفوس الأفراد، وفي شراسة الإغراءات الخارجية ايضا.
مسكينة هذه الأسرة العربية !!


ayya-222@hotmail.com