آثرت أن أرجئ الحديث عما يعتري حياة أبنائنا التعليمية إلى ما بعد رعب الامتحانات النهائية، وما يقلق مشوارهم التحصيلي للمعرفة، ودور الأهل ووعيهم لمستقبل أولادهم، وحرص الوطن على توفير استراتيجية لكافة سبل النجاح، وأهمها طرق التعليم الحديثة والأساليب التربوية الجديدة، وجلب التجارب العالمية الناجحة وتكييفها مع خصوصية المجتمع، وأبعاد ما يمكن أن يشوه هذا التوجه أو يعيق رؤية الخطط المستقبلية بدءاً من الوزارة المكلفة بشؤون التعليم، وليس انتهاء بالمدرسين أو الإداريين أو الموجهين غير المؤهلين للقيام بدورهم التربوي والتعليمي الحديث أو غير الملتزمين بخط الدولة الفكري ومنهجها الأيديولوجي، فلا يمكن أن تقبل دولة بتخصيصها ميزانيات كبيرة للتعليم، وصرفها أموالاً طائلة على وسائل وأدوات وطرق التحصيل العلمي والفكري لطلبتها، وبناء خططها الاستراتيجية على أجيال تُعدُّهم منذ الصغر لتحمل أعباء النهوض بها وقيادتها كدولة متحضرة بين الأمم، ليتخرج بعدها بعض طلبتها رافعاً شعار حوكمة المجتمع الجديد أو شاهراً راية العداء للآخر والموت للمغاير، والبحث عن مدن فاضلة ومراحل تاريخية طاهرة لينسلخ من واقع معاش إلى واقع متخيل عبر سبل مبتكرة ومسيسة للـ”جهاد”!
كما أنها لا تقبل مدرساً ووصياً على أبنائها غير المدركين أن يختط لهم طريقاً في الحياة يضرهم ويضر مجتمعهم، لأن ذاك المدرس يحمل بذرة ذلك التفكير المؤدلج، وكما الحديث عن الفكر هناك حديث عن الوسيلة، فلا يمكن أن نقبل اليوم تلميذاً يتفوق على معلمه في معرفة التواصل بالأدوات الحديثة لنقل المعرفة، ليس مقبولاً اليوم التحفيظ والتلقين لخلق شخصية خانعة، في ظل غياب الأسئلة والتحريض عليها وخلق شخصية جدلية قادرة أن تعبر عن نفسها، مثلما ليست مقبولة اليوم السبورة والطبشورة إن كان هناك كمبيوتر و”كي بورد” على طاولة الطالب، وغير مقبولة نظم الامتحانات القديمة والسقيمة والتي تجعل من الطالب ضحية لممارسات “الأستذة” والتعالي العلمي، والعقد الاجتماعية، وإفرازات التجارب التعليمية السابقة والعقيمة، ليعيش وأسرته هموم طوال العام ليصبح مستقبله معلقاً على ورقة أو نتيجة قد تفضي به إلى مهالك الردى، بعد أن نجعل من امتحانات الثانوية، وكأنها عرس وثني نقدم فيها دماء طلابنا كقرابين لآلهة النجاح والفلاح!
لا نريد أن نكرس تجارب عربية في التربية والتعليم لأنها منقوصة وتتوارث تجارب قديمة سابقة، وتراكم سنوات طويلة فاشلة، اليوم التلميذ قبل أن يدخل الصف الأول يكون لديه قاموس من المفردات كثيرة، ويمكن بأكثر من لغة، فلا حاجة أن نبدأ معه منذ الدرس الأول “رأس رؤوس، دار دور” أو “رنّ الجرس حان وقت الدرس” لأن المدارس النموذجية ليست فيها أجراس لتقرع، ولا طلاب يقرعون بالعصا، ولا طلاب يقرّعون رؤوسهم على الصفر!


amood8@yahoo.com