لم المتأمل في صباحات الأجانب يجدها مطمئنة، وتسير على وتيرة يشتهونها؟ قد يتجول أحدهم هو وعجوزه في ذلك «المول» البارد بنسمة عطور مشاغبة تأتي من جانب المحل القابع في الزاوية الغربية، لا يشعرانك بعدوانية الصباح، حيث إنهما تناولا فطورهما المتكامل باكراً، واكتفيا بشبع سيمكث معهما طويلاً حتى آخر النهار، بالتأكيد لن يشتريا أشياء يصادفانها في واجهات المحلات، لأنهما ليسا بحاجة لها الآن، ولا يمكن أن تحتل أولوياتهم المرتبة في عقولهما، أقصى ما يمكن أن يعملاه في ذلك النهار أن يأخذا قسط راحة ودردشة في مقهى يعرفانه ويترددان عليه في عواصم العالم مع تذوق قهوة اليوم، وربما مع قطعة فطائر «بلوبيري مارفن لو فات» وسيمضيان ساعة يمضغونها مضغاً جيداً مع رشفات من القهوة التي مالت لأن تبرد قليلاً، قليلاً، وهما يتحاوران، ويصمتان كثيراً مع ضحكات لذكريات سفرتهم الأخيرة إلى أسطنبول.
نحن.. نصف العداوة الصباحية مصدرها عندنا الأكل المتأخر ليلة الأمس، واليقظة المفزعة لأي سبب كان، مع عزوف عن تناول فطور ضروري، يصبح الواحد منا وطعم المرارة لا يفارق كبده، ولو نظر إليه شخص وابتسم فلا بد وأن ينعته بـ”الخبيل” على الأقل في داخله، وإن حدّق شخص ما فيه فغير مستبعد أن يبدأ تجاهه بعنف لفظي، وربما يتبعه بعنف جسدي، تغيب لحظات التأمل في ارتداء الكندورة على عجل، ورنين النقال من غير ضرورة تذكر، وما يزيد المسألة تعقيداً عدم وجود حديقة متناسقة في فناء المنزل، فلا تكون المشاهدة الأولى إلا لجدران أسمنتية مصبوغة دون مهارة، وقد يعكس الواحد منا ذلك على زوجته المهملة نفسها قليلاً، والمهتمة بالوجبات في المطبخ.
في حين قد تفاجئ العجوز الأجنبية زوجها بشراء محفظة جلدية صغيرة على مقياس بطاقات الائتمان، فيظل يشكرها ويتعهد بالمحافظة عليها، لأنها فاجأت نهاره بشيء جميل ومميز لن ينساه، وتكاد عيناه أن تدمعا صدقاً، فيرسل طائراً من فرح يبسط قلبها، ويجعلها حديثه الهامس في أذنها تحن إلى شيء جميل مضى، وكانت بحاجة إليه الآن، سيبقيان طوال الساعة يتحدثان عن تلك الهدية، الغريب أنك لن تسمع طوال مكوثهما أي رنين لهواتفهم النقالة.
صباحنا يبدأ بـ”الدريول خرّب السيارة” وهذا الخراب لابد وأن يعرف عنه كل الأصدقاء، “دفعة المزارع تأخرت” “المستأجر لا يريد أن يدفع الزيادة السنوية المقررة على الإيجار” “نادي العين هالسنة صابته العين”” 39 رسالة هادية ومرشدة بيوم الجمعة المباركة تبدأ تفككها وترد عليها بأحسن منها” هناك عدم تركيز وتشتت وسلب ذهني وتوجيه خاطئ لنفوسنا ووقتنا في غير ما نرغب، وفجأة يدركنا الظهر فنذهب للوضوء، ونهرع قبل أن تفوتنا الصلاة، ونكتشف أن نهارنا لم يكن لنا، وكذلك يمضي العصر والمغرب والعشاء والأيام!



amood8@yahoo.com